في لقاء صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية قال سموه مخاطباً رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد: (إن مكافحة الفساد لها مدلولات ومعان واسعة.. وهي كمكافحة المرض.. وإن إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد هو بمثابة تفعيل القوى الإستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد..) انتهى.
لقد كان تعيين محمد بن عبدالله الشريف رئيساً للهيئة العامة لمكافحة الفساد تعييناً في المحك الحقيقي فهو صاحب قلم، وأطروحات في قضايا الشأن العام.. له رؤية في معالجة كثير من القضايا الاقتصادية والاجتماعية المتعثرة وفي مقالاته كان يركز كثيراً على ظاهرة الفساد المالي والإداري.
إن ظاهرة الفساد ظاهرة عالمية وهي ليست وليدة اليوم كما أنها تأخذ أشكالاً وأنماطاً مختلفة داخل المجتمعات وتفشي هذه الظاهرة سواء كان مالياً أو إدارياً أو غيره يؤثر سلباً على أوضاع الوطن الاقتصادية والاجتماعية وقد يكون حالة ملازمة لتباطئ وشل حركة النمو والتقدم في جميع المجالات، وإلى هدر جزء كبير من موارد المجتمع وتدهور في المصالح والخدمات العامة وبالتالي فانعكاساتها خطيرة قد تبلغ مستويات كارثية تهدد منظومة الحقوق البشرية، وتدفع الوطن إلى الفوضى ومستنقع الأنانية.. واللامسؤولية. ولعل أخطر أنواع الفساد هو إساءة الوظيفة العامة من أجل تحقيق مكاسب خاصة.. أو منفعة ذاتية أو إخضاع المصالح العامة المطلقة لأهداف شخصية. إن انتهاك مبدأ النزاهة هو في جوهره حالة من التفكك قد تعتري بعض أفراد المجتمع نتيجة فقد سيادة القيم الجوهرية، وعدم احترام الأنظمة والقوانين وغياب إحساس المواطنة.. إذاً ومن هذا المنطلق فإن مكافحة هذا الداء العضال هو واجب وطني يمليه علينا الحس الوطني.. والاستشعار بالمسؤولية والعمل بمبدأ الشفافية.. لذلك فإن مسؤولية مكافحة الفساد والقضاء على هذه الآفة التي تشكل تهديداً قوياً لجميع مناحي الحياة، وتقف عائقاً في طريق التقدم والبناء هي مسؤولية جميع أفراد المجتمع بكافة فئاته وطبقاته قبل أن تكون مسؤولية هيئة أو جهاز حكومي مناط به ذلك العمل.
إن الشعور بالمسؤولية والرقابة الذاتية هي بمثابة تحصين للمسؤول والموظف والمواطن من الوقوع في حبائل الفساد بل هي مرتكز أساسي للحد من تفشي هذه الظاهرة. فإذا راعينا ذلك كله والتزمنا به ستكون جميع مؤسسات الوطن وأجهزته الحكومية قادرة على العمل بكل شفافية ووضوح واضعة نصب عينيها المصلحة العامة للوطن والمواطن.. وبكل صدق فإن أعذب وأعلى درجات رقي النفس البشرية هي أن تذوب في خدمة وطنها ومجتمعها وهذا يقودني إلى القول بأنه لابد من سياسة توعوية بخطورة هذه الظاهرة مقرونة بسياسة تثقيفية شاملة تتمحور حول مبدأ النزاهة ومكافحة الفساد وانطلاقة ذلك تكون بداية من داخل الأسرة النواة الأولى للمجتمع فأبناؤنا وبناتنا هم الأجيال التي ستحمل على عاتقها بناء الوطن ورفعته ثم يأتي بعد ذلك دور تجنيد الوسائل المختلفة من إعلامية وثقافية وتربوية للمشاركة في التوعية والتثقيف وذلك عن طريق البرامج المختلفة، والندوات المستمرة، والمحاضرات التي تتناول نشر ثقافة مبدأ النزاهة ومكافحة الفساد.. ولا يفوتني في هذا المجال أن أؤكد وبشدة على استغلال الإذاعة المدرسية في المدارس للحديث عن هذا الموضوع ما بين فترة وأخرى خاصة لطلاب وطالبات الصفوف الأولية ذوي العقول الغضة فالإذاعة المدرسية عشق أبدي لهم. إن السعي إلى ذلك والحرص عليه بشكل دائم ومستمر يربي في نفوسهم حب النزاهة، ويعودهم على خصلة متميزة قد تكون مفقودة عند الكثير وهي الرقابة الذاتية والتي تتولد من مراقبة الله أولاً وأخيراً.
إن المعاناة في مفصل هذه الظاهرة يحتم علينا تعزيز الرأي الرافض لها فتعزيز الرأي الرافض يشكل جداراً صلباً يحول دون انتشارها.. فكم هي النتائج السلبية والتداعيات الخطيرة التي تصيب الوطن إذا انتفت النزاهة وتفشى الفساد إنها ستطال كل مقومات الحياة.. وتعرقل أداء وإنجاز الكثير من الخدمات وبالتالي فإن الناتج هو تذبذب وقصور في مسار بناء الوطن وتقدم المجتمع ناهيك عن الانعكاسات الخطيرة التي ستنعكس على الأفراد وعلى نسيج المجتمع بشكل عام.. وحجر الزاوية في نجاح الخطط والمشاريع وصلابة البنى التحتية لأي وطن هو الإيمان بأن الفساد داء والنزاهة دواء.. وما القيم ولأخلاق الرفيعة، واحترام الأنظمة والقوانين والسير على طريق (هذا لك وهذا عليك) والشفافية والوضوح إلا ركائز فعالة لوطن يسعى إلى الرفعة والسمو. والقيادة -رعاها الله- ملتزمة وبقوة للقضاء على هذه الظاهرة.. ومحاسبة كائناً من كان وولاة الأمر عين ساهرة على مصلحة الوطن والمواطن ويشددون دائماً وأبداً على مبدأ النزاهة والشفافية والاستشعار بالمسؤولية والتي هي إستراتيجية وطنية يسيرون عليها لمكافحة كل ظاهرة سيئة ومنها هذه الظاهرة المقيتة والتي تندرج تحت مسمى (إساءة استعمال الوظيفة العامة.. أو وضع اليد على المال العام..).