كلنا نعرف الماغوط.. والإرث الشعري الذي تركه هذا الشاعر وكذلك الفراغ الكبير الذي خلفه بعد رحيل جسده، لكن القليل منا فقط يعرف أن هناك شاعرة وحبيبة وزوجة مبدعة كانت خلف هذا الرجل.
كانت توقد له سراج القصيدة وتفتح له نوافذ قلبه على سماءات الحياة والأمل متشبثاً بالحلم، وكانت جاهدة تحاول ألا ينطفئ فتيل الأمل الذي كانت توقن أنه ترياقه وقوته، كانت سنية زيت السراج، وفانوس الليالي المطفأة وحبر المآقي وموانئ الانتظار، وصبر قلبه الذي أنهكته الحياة.. وكلما قست عليه ظروف عيشه وأطبقت الحياة فكيها تراءت سنية من البعيد نجمة يستدل بها على نجاته.. كانت المنارة والمرفأ والمآل.
سنية صالح.. زوجة الماغوط التي قالت عنها خالدة سعيد بأنها عاشت مغلفة بيقينها الشعري متعلقة بالأمل الذي يجيء من لدن الشعر، بل لائذة بعصمة الحقائق الشعرية وببهاء هذا العالم الذي أعطاها مفتاحه وأجزل الوعود.
الشعر كان يأتيها من كل تلك الجهات التي تنبت فيها هذه الزهرة البرية، من فم الأرض العطشى، من هدب سحابة عابرة تبحث عن بحر تستنشق ماءه فتحبل بالحياة لتعود وتهبها للأرض التي تمر بها، لسرير النهر، تروي بها جذور الريح وترش رذاذها على جسد السماء فتطفئ أحزان العصافير، وتغني للحياة والحب وحتى أعزوفة الموت الذي سلبها على عجل من زوجها العاشق ومن بنتيها سلاف وشام ومن دنيا القصيدة التي تركتها مشرعة للحنين والغياب ولم تكمل السطر الأخير.
تلك سنية صالح والقليل من الشعر لا يكفي لنكمد به وجع غيابها ويكفي ليمدنا ببعض الحياة وبعض الضياء وبعض من سيرة شاعر تعملق فيه حبها فمنحته أبدية الوجود.
من آخر البحر
في المقهى
طلبت من النادل طاولة لشخصين
أنا والبحر
اندهش الرجل
وكلما مر بي
طالع ساعته
هل تأخر البحر
أم طارت به النوارس للمرافئ؟
mysoonabubaker@yahoo.com