التغير هو طبيعة البشر والأشياء، والمثل المكِّي يقول (دوام الحال من المحال). ويتفق الناس على أن الدائم هو الله سبحانه وتعالى. والتغير قد يكون سلبياً أو إيجابياً، والناس يفضلون أن تكون التغيرات إيجابية. والتغير مطلب جُبل الناس عليه بطبيعتهم ويسعون إليه بحثاً عن معيشة أفضل. والاقتصاد، كبقية الأشياء، يتغير ويمر بدورات، يصعد ويهبط، ينمو ويتراجع، يزدهر وينكمش، وينطلق ويتقوقع. ولهذا كان الاقتصاد عِلْم يضع النظريات ويطرح السُّبل لعلاج الخلل. وعندما يتأصل الخلل في المسيرة الاقتصادية لدولة ما، يتحدث الاقتصاديون عن الكوارث الاقتصادية التي تعصف بمسيرة الاقتصاد وتهدد برامج التنمية وتؤثر على درجة النمو، وبالتالي يصبح التغير ضرورة. وقد أثبتت الدراسات التي أجريت على اقتصادات بعض الدول الغربية أنها تستطيع أن تخفف العجز المالي في الميزانية العامة للدولة عن طريق الحد من الإنفاق الحكومي على بعض البرامج الإنمائية والاجتماعية في الاقتصاد. وأشارت دراسة أعدها المكتب العام للمحاسبة التابع لمجلس الشيوخ الأمريكي، أن الدعم السياسي والشعبي أسهما في نجاح خطة الحد من الإنفاق الحكومي لمعالجة العجز المالي في اقتصادات ست دول ديمقراطية خلال عقد الثمانينات من القرن العشرين الميلادي وهي أستراليا، كندا، اليابان، المكسيك، ألمانيا، وبريطانيا. وأكدت الدراسة أنه على الرغم من أن حكومات هذه الدول الست قد اتخذت إجراءات اقتصادية غير محببة للناس بصفة عامة لمعالجة العجز المالي، إلا أنه أعيد انتخابها مرة أخرى، وفي بعض الحالات أكثر من مرة، لأنها نجحت في علاج المرض الاقتصادي، وإن كان العلاج مراً. وكان المهم في هذه الحالات أن يستمر التوازن المالي لفترة طويلة فالسياسات الاقتصادية، وخاصة تلك التي تُعنى بمعالجة الخلل، تتطلب وقتاً كافياً، وقد يكون طويلاً، حتى تحصد ثمارها. ويبدو أن سياسة الحد من الإنفاق الحكومي هي آخر العلاج وأنجعه، مثل الكي، بدلاً من اللجوء إلى بعض السياسات الأخف وطأة على الناس مثل السياسة النقدية أو، بكل بساطة، ترك مشكلة العجز المالي لتحلها أجيال قادمة. ومشكلة هذه السياسات أنها تعد كالهروب إلى الأمام لا تقدر على مواجهة خطوط التماس ووضع حل جذري مناسب. لهذا فإن حل مشكلة العجز المالي بالحد من الإنفاق الحكومي يتطلب بناء مناخ شعبي مناسب، وتختلف درجة نجاحه من اقتصاد لآخر ويرتبط كثيراً بالهيكل السياسي والاجتاعي للاقتصاد المعني. وإذا كان الاقتصاديون يعتقدون أن اللجوء إلى هذا الحل قد لا يكون هو الحل الأمثل في فترة الركود الاقتصادي، إلا أن بعض السياسيين قد يركنون إلى هذا الحل الجريء لاعتقادهم أن حالة الاقتصاد تستدعيه. هذا الترف الفكري الاقتصادي تلوِّح به صحافة الغرب وتتباهى بأنه ناتج من حصيلة التجربة الديمقراطية التي لا تتكوّن إلا في الدول الغربية ولا يمكن أن تعيش في الدول النامية. وعلى الرغم من حقيقة أن الفكر لا موطن له، إلا أن السيطرة الغربية على وسائل الإعلام المهمة تكاد تطمس الخطوات الايجابية التي تخطوها بعض الدول النامية في سياساتها الاقتصادية مستخدمة نفس الفكر ومشاركة للعالم الصناعي المتقدم نفس هذا الترف الفكري الاقتصادي بقدرة ووعي وإدراك كامل. وهذا الواقع يُسقط القول بأن الحلال على الدول المتقدمة حرام على الدول النامية، ويبرهن على أن المعايير الغربية في الحكم على تقدم الدول أو تخلفها أصبحت هشة آيلة للسقوط، إن لم تكن قد سقطت فعلاً. وهى فرصة لبناء الثقة في أنفسنا وفي قدراتنا حتى نفرضها على العالم لكي نغير نظرته المشوهة فلا يشكك فينا أو فيها. وهي نظرة تستحق التغيير.
رئيس دار الدراسات الاقتصادية - الرياض