بعد مقالي السابق «إلى شيخنا الأطرم» جاءتني رسالة من قارئ أردني هذا نصها «بعض أهل العلم عندنا في الأردن من السلفيين قالوا بعدم ربوية الأوراق النقدية أمثال الدكتور الأشقر ومراد شكري ولكنهم هوجموا بشدة وهناك مؤلفات بذلك لمراد شكري في كتاب «رفع الحرج والآصار عن الأمة في زمن الإعصار» وضح فيه جميع الأدلة على عدم ربوية الأوراق النقدية لكن مع ذلك رُفضت الفتوى بشدة. السؤال لماذا لا تقبل هذه الفتاوى المستندة إلى الدليل العلمي الشرعي ومن أمهات الكتب الشرعية. أرجو منك يا دكتورنا الفاضل أن تجيبني هل هذا الشيء مدبر أم ماذا وشكرا» انتهى.
هكذا لم يجد هذا المسلم وسيلة إلا أن يلقي اللوم على شماعة العرب «المؤامرة» ليبرئ فيها الشرعيين ويرفع بها التناقض الواضح في موقف الأمة من أحكام المال والمعاملات الحديثة، حيث أنها تركت قول ربها ورسوله وعنفت من يقول به فضيقت على نفسها وأضرت بها ضررا عظيما، مما اضطرها إلى اللجوء إلى الحيل بتحريف النصوص الشرعية.
والشيخ مراد شكري لا أعرفه ولم أقرأ له، وأما الدكتور الأشقر رحمه الله فقد نقلت عنه من بحثه الذي نقض فيه حيثيات حكم الربوية الذي تبنته هيئة كبار العلماء - بسب التضخم - أي بسبب انفصال العملات عن الذهب - وذلك بتتبعه للأحاديث النبوية وانتهى في آخره بجواز بيع الريال بالريالين والدينار بالدينارين إلى أجل. وعلى كل حال فالذين قالوا بعدم جريان الربا في الأوراق النقدية كثيرون ولكن ليس كل من عرف تكلم، وإنما من غلبت خشية الله عنده خشية الناس.
نظرية المؤامرة على بلاد المسلمين بالاستيلاء على فوائضهم المالية وبتعطيل اقتصادياتهم عن طريق تحريم التمويلات باستخدام فتاوى الشرعيين، هو حديث لا أعتقد به وإن كان ذي شجون. فالشرعيون هم من يتحمل ذنب تخلف المسلمين الاقتصادي بإصرارهم على الخطأ والعناد على فتوى اجتهادية قديمة وكبت كل رأي شرعي صحيح مخالف لهم، وهم المذنبون بإخفاء العلم الشرعي - حتى أضاعوه هم فضلا عن عامة الناس - وهم المسئولون يوم القيامة عن تحريضهم للعامة بإيذاء العلماء المخالفين الذين بينوا الشرع بالدليل الصريح الصحيح في هذه المسألة.
ليس في المسألة مؤامرة يا أخا الأردن، إنما الأوراق النقدية أمر حادث جديد قدم على المسلمين من الغرب، فالأصل فيه التوجس والشك. وأضف إلى ذلك أن بعض الجامدين من فقهاء المذاهب آنذاك قد كيفها تكييفا قد لا يجعلها من الأموال الزكوية لذا فوجب الاحتياط فيها، خصوصا أن البنوك التي أتت معها هي منظمات تخلق الديون في المجتمع والدين في المفهوم القديم - لا الحديث - هم ورق قد استعاذ منه رسولنا الكريم. وبناء على ما مضى تبنى بعض الشرعيين القياديين للفتوى رأي الاحتياط فتبعتهم الغالبية. والشعوب العربية بشكل عام لا رأي لأفرادها بل هي تبع لواحد منها غالبا وخصوصا في الأمور الشرعية. وحيث إن جعل الأوراق النقدية مما يجري فيه الربا أمر ضعيف الاستدلال شرعا في ذلك الوقت، لجأ الشرعيون إلى تعويض هذا النقص بالتشديد والتغليظ على المخالف. ثم تبع اللاحقون السابقين فتوارثوا التغليظ والتشديد على المخالف دون أن يعرفوا أو يدركوا أصل المسألة. ومن ذلك أنني جلست إلى أحد كبار أهل العلم الكبار الفضلاء الزهاد الأتقياء أناقشه فما زاد إلا أنه طلب مني أن أسكت عن المسألة ولا أحدث بها الناس. فسألته ولماذا؟ أليس هذا من دين الله؟ فيقول بلى ولكن «لا أدري أموال الناس، لا أدري أموال الناس» وأخذ يكررها كلما كررت عليه فقبلت يده وانصرفت.
جامع البلاد المتخلفة في العالم هو ضعف نظامها التمويلي سواء أكان ذلك بسبب اشتراكية اقتصادها أو ديكتاتورية نظامها أو كما حدث في بلاد الإسلام في تحريمها احتياطا ابتداء، وتقليدا بعد ذلك، ثم نفوذا انتهاء. والمسكوت عنه في كل هذا أن جهل المسلمين وعدم فهمهم لدينهم وغيابهم عن مفهوم التمويلات الحديثة وتعطيلهم لعقولهم هو زاد استمرار هذه الآصار والأغلال التي ما أنزل الله بها من سلطان وليس مؤامرات خارجية تحاك ضدهم.
hamzaalsalem@gmail.com