سأعود بكم إلى الوراء حيث العام 1991، عندما هاجمت قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة العراق، وهو الحدث الذي غير وجه المنطقة إلى الأبد، خصوصا ما يتعلق بقضية فلسطين، إذ تسابق بعض الزعماء العرب إلى طريق السلام مع إسرائيل، وبدأ مسلسل التشرذم الذي لا زلنا نقرأ في فصوله حتى اليوم. قبل ذلك الهجوم قرأنا كيف أن سفيرة الولايات المتحدة كانت قابلت صدام حسين وأعطته ما يشبه الضوء الأخضر لاحتلال الكويت، وقيل حينها إنها « المؤامرة» على سيف العرب، ولم يتم التطرق حينها إلى محاولات سابقة لتحقيق الهدف ذاته من قبل زعامات عراقية سابقة على مدى عقود طويلة.
بعد ذلك بعقد واحد بالتمام والكمال (2001) حدثت النكبة الأخرى المتمثلة بأحداث سبتمبر، وتكررت نظرية « المؤامرة» فلا يعقل أن يستطيع إنسان بسيط يعيش معزولا في بلد بدائي أن يهز أركان أعتى قوة عالمية، وساهم في انتشار هذه النظرية تأكيد بعض الكتاب والمفكرين الغربيين على استحالة أن يقوم تنظيم متواضع الإمكانات بمثل هذه العملية الكبرى. ما يهمنا هنا هو ما أعقب هذه العملية من تطورات على كل الأصعدة تضررت منها دول كثيرة، واتهم فيها خلق كثير وتعطلت فيها مصالح، بل وصل الأمر إلى اتهام من ينشد العلاج في الولايات المتحدة بأنه « إرهابي محتمل»!. أذكر في تلك الفترة العصيبة أن باحثا ألمانيا زار المملكة ضمن زيارته لعدة دول عربية وإسلامية، وقد قابلته مع بعض الزملاء، وسألته عما إذا كان يعتقد أن أحداث سبتمبر « محض مؤامرة»؟. أجاب بكل ثقة بأنه فوجئ من حجم الإيمان بنظرية المؤامرة في العالم الإسلامي حتى بين المثقفين المعتدلين، ثم أكد بأن «ابن لادن» ولا أحد غيره هو من خطط للاعتداء ونفذه. وعندما قلت له: إنه يصعب على كثيرين تصديق ذلك، قال باقتضاب:» إن الأخطاء البشرية واردة - وبشكل غير متوقع- من أذكى الناس وأقوى الدول، وهذه إحداها!»، فلا تضيعوا وقتكم بمثل هذا!.
بعد عقد آخر بالكمال والتمام (2011)، بدأ ما يسمى بالربيع العربي، وهي الثورات التي عمت ولا تزال تشتعل في معظم البلاد العربية، والتي بالتأكيد لم تتضح نتائج بعضها، ولا معالم ما يفترض أنه انتهى منها. ومرة أخرى يدور الحديث عن نظرية المؤامرة، وبأن هناك قوى تريد أن تقسم العالم العربي تمهيدا لعصر جديد لا يعلم الهدف من ورائه إلا أصحاب المؤامرة أنفسهم!، وهنا يحسن أن أشير إلى ما قاله أحد الشباب الليبيين قبل أيام عندما ذكر بأنه يرحب بالمؤامرة التي سوف تخلصه من زعيم يستورد قتلة محترفين من خارج بلاده لقتل أبناء شعبه!.
لا ندري ما الذي سيحدث في عالمنا العربي، ولكن علينا أن نعيد قراءة ما كتبه الصحفي الشهير المحافظ جورج ويل بالواشنطن بوست في 9 فبراير 2011، وذلك عندما أشار إلى محادثة مقتضبة جرت بين ريك اتكنسون الصحافي بالواشنطن بوست وديفيد بترايوس قائد القوات الأمريكية بالعراق وذلك أثناء تقدم القوات الأمريكية باتجاه بغداد في مارس 2003. يقول السيد ويل إن اتكنسون سأل بترايوس قائلا:» إلى أين سينتهي هذا كله؟» يقصد غزو العراق، فأجابه بترايوس بأربع كلمات لا أكثر:» ثماني سنوات وثمانية تقسيمات!». أستطيع أن أطرح أكثر من تحليل تعليقا على هذه العبارة القصيرة والخطيرة، ولكني لن افعل، وسأترك تفسيرها لك عزيزي القارئ سواء كنت من أنصار نظرية «المؤامرة»، أو ممن يرون أن الأمور تسير بمحض الصدفة، وأذكرك بأن من قال تلك العبارة قد تعين قبل فترة قصيرة رئيسا للاستخبارات الأمريكية التي يتركز عملها خارج الولايات المتحدة.
فاصلة:
«إذا أردت أن تدمر عدوك...فاتخذه صديقا لك»...ابراهام لينكولن
amfarraj@hotmail.com