صرح مالك أكبر مزرعة للألبان في روسيا لأبنائه ودوّن ذلك في مذكراته، إن سبب نجاحه في الحياة والسر في ثروته الفاحشة كانت بسبب قصة الصقر والدجاجة، وإنها كانت الدافع القوي لرفع معنوياته أمام فشله المتكرر، وأصبحت الداعم والمساند لبناء جدار صبره في مواجهة مصاعب الحياة، وإن كلمة فشل لم تعد في قاموسه، حتى بلغ مراده ونجح في نهاية المطاف، وأصبح أغنى مزارع في دولة روسيا الاتحادية السابقة.
تقول القصة كما يروي هو على لسان جده المزارع، إن صقراً مهاجراً بنى عش الزوجية فوق منحدر جبلي يعلو مزرعته، فوضعت زوجته أربع بيضات، وبعد أيام فقط تدحرجت بيضة من العش واستقرت أسفل الجبل أمام قن الدجاج، وفي جولة معتادة للديك الزير، وجد إحدى بيضات زوجاته أمام القن، فقام بدوره بإعادتها إلى الداخل، فتقبلتها الدجاجة، وهجعت تحضنها مع بقية البيض ليلاً وترقد عليها نهاراً.. حتى انقضت المدة وفقس كل البيض وخرج صقر من بين إخوته الدجاج !
بعـد أيام وأثناء خروج الدجاج من القن، شاهد الصقر ظل أبناء جلدته يحلقون في السماء، فرفع رأسه وبلغ منه الشك خير مكمن، أهو دجاجة أم صقر؟ فنظر إلى نفسه وتحسس ريشه وفرد جناحيه، ففكر في الطيران، لكن إحباط إخوته الدجاج (المتكرر) وضحكهم المتواصل حال دون فعله ذلك! ومع مرور الوقت زاد نومه، وذبلت وهبطت عزيمته شيئاً فشيئاً حتى أصبح خاملاً وكسولاً، ولم يبرح قن الدجاج حتى وقت الشرب والأكل، وفي النهاية.. مات الصقر دون عزاء! فسحبته الدجاجة الأم ورمته بعيداً غير مأسوفٍ عليه، وكأنها تقول (لا حياة للكسالى).
سيدي القارئ الكريم، (ومن واقع التجربة) لا تجعل من حولك يهبط من عزيمتك، وافتح صندوق قلبك، وارقَ بروحك واكتشف مواهبك، فأنت كفء للمضي في هذه الحياة، وأنت قادر على أن تجد خطوات النجاح لتسير عليها، فالله سبحانه وتعالى لم يخلق إنسانا ذا عقل عبثاً، ولم يعطينا هذا العقل للملذات فقط، فكل إنسان مكلف بأن يقوم بدور في هذه الحياة، واللقمة والنجاح لن تأتي إليك زحفاً وأنت رابض في مخدعك! فأنت من عليه التحرك والبحث في مناكب الأرض والسعي لطلب الرزق وفي كافة أروقتها لبلوغ سلم النجاح، فحتى مريم بنت عمران أم الأنبياء عليها السلام، وبالرغم من صغر سنها وحالتها الصحية أثناء المخاض.. لم يأتها الرطب إلى مكانها بالهوينة.. بل وقفت على رجليها، وضربت بيديها الناعمتين الكريمتين ساق النخلة، وهزتها حتى سقط البلح بين يديها، وكأن السماء تقـول: منك الحركة ومن الله البركة، والعصافير تخرج أول النهار لتعود في آخره، وبأفواهها كسرة عيش أبنائها.. لذا الصقر يبقى صقراً حتى لو عاش بين كوم الدجاج، فكن صقراً في هذه الحياة ولا تلتفت للمحبطين المتأخرين، ففي النهاية، لن يلتفت عليك أولائك، ولن يذكروك أو يمدوا لك يد العون لو تأخرت عن السرب، وكل إنسان مرهون بسلة أعماله ومدى بلوغه خطوات النجاح في غابة الحياة.. قال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} صدق الله العظيم (سورة الملك - آية 15).. وفقكم الله.