حين انطلق البث الفضائي في بدايات التسعينيات الميلادية، كان التحذير مخيفاً من الخطر القادم، تحذير انطلق من منابر عدة، وصل في حماسته إلى التحريم الكلي، وتوعد من يستخدم «دش» بالعذاب والثبور وسوء الخاتمة.
وحين انتشرت صحون البث اللاقطة المرتفعة التكلفة حينها، ظهر بشكل كاريكاتوري أفراد محتسبون «يقنصون» صحون التقاط البث ببنادق صيد.
ظل العالم العربي يحظر اقتناء أجهزة الاستقبال، والملفت أنه حتى اليوم بحكم القانون أو النظام ممنوعة. لكن انتشارها السريع والكثيف ألغى قيمة قانون المنع، حيث لا يمكن تطبيقه ودفع ربع أو نصف السكان إلى السجون بتهمة مشاهدة قنوات قادمة من الفضاء الخارجي الحر!.
وحين جاءت الإنترنت، كان من الصعب حجبها كلية، وإغلاق البلاد - الدول- عن العالم الخارجي، ووفرت بعد إعاقات - متعمدة - وتردد، وصلت الإنترنت للشعوب العربية وسط بنية تحتية متواضعة، مقابل تقنيات حديثة ومعقدة للفلترة والرصد والمتابعة، ودائماً ظل الجانب الأمني فيها رأس الهرم، وقد تقدم له المبررات وأسباب أخرى.
بعد وقت قصير جاء الهاتف المتنقل بتقنياته المتطورة، ولم يمر سالماً، فالعقلية البوليسية، وباتحادها مع النظرة الكلاسيكية القديمة، وجدت في «كاميرا الجوال»، كارثة تقنية، قد تتسبب في نقل «المستور، أو فضحه، وهو ما أدى إلى مواجهة «الجوال- الكاميرا»!.
تأهبت الجمارك العربية لاصطياد دائم للتقنيات القادمة، ومصادرتها، لكن بصورة ما يتم إعادة بيعها في السوق السوداء بفضل الفساد المنتشر!.
لكن التقنية أسرع انتشاراً وأذكي، لتصبح أمراً واقعاً، بل أصبح من النادر وجود هاتف بلا كاميرا يستخدمه الجميع رجل السياسية والدين والصحفي والمواطن. حتى في تلك الدول التي لا تسمح باقتناء الفاكس إلا بإذن أمني خاص!.
ثم خرجت هواتف أكثر اتصالاً ببعضها البعض، ولها أسلوبها الخاص في التواصل دون الحاجة إلى المرور بالضرورة على مزود الخدمة الحكومي، ومن ماسنجر بي بي، وغرف الآي فون، وتويتر للأجهزة بأنواعها، أصبح مبدأ تدفق المعلومات الحر هائلاً، ويحتاج إلى جيوش للمراقبة والرصد والتدقيق، ورغم كل أشكال المقاومة التقليدية أو حتى تلك الأمنية انفتحت سماء الاتصالات والمعلومات للأبد.
وأصبحت الشعوب -وتحديداً شبابها- ينظر بشكل مختلف للعالم، وينظر لواقعه بعين مختلفة، عين تشاهد وتقارن وتأمل وتفكر.
لم يكن سهلاً على الشباب أن يفهموا -مثلا- كيف حكم مهرج مثل القذافي أربعين عاماً؟! وكيف بقي مبارك أو زين العابدين أوغيرهما مختطفين لبلد؟!
ثم كيف لرئيس مثل صالح أن يتلاعب بالجميع لهذه السنوات، وكلها دول موسومة بالجمهوريات و الديمقراطية، ولديها كما تقول دساتير خلقت لديمومتها.
قال الكبار لقد هرمنا، وخاف الشباب من نفس العاقبة في ظل وضع مأزوم سياسياً ومنتكس اقتصادياً، وفاسد في كل شيء تقريباً. وهنا لم يبق شيء للخوف، خرج الشباب للشوارع، اتصلوا بالعالم الخارجي، وهتفوا ليسقط نظام لا يرحمنا ولا يحترمنا، ويمسخ قيمتنا الإنسانية الأسمى.. والعرض لايزال مستمراً.
إلى لقاء