لا أعتقد أن هنالك من لا يدرك عمق مشكلة العمالة السائبة التي أصبحت واقعاً أليماً نعيشه كل يوم، مشكلة اتسعت رقعتها واستفحلت ضراوةً وضرراً، بل أصبحت قنبلة موقوتة تهدد بالخطر وتفشي الجرائم والشر. وحتى لا أُتَّهم بالمبالغة أو الانفعال، فيعلم الله بل إنه تفاعل من دافع الحس والشعور الذاتي نتيجة الواقع المرير الذي نرى بشاعته أمام أعيننا ولا نحرك ساكناً.
فكيف نسكت وبعض هؤلاء يعيثون في أرضنا الطيبة فساداً ويمارسون الأفعال المشينة ويرتكبون الجرائم الشنيعة من قتل وسرقة ونهب وغش وتزوير وغسل أموال وتسول، ويستدرجون الخادمات وينشرون الرذيلة والمجون بكل أنواعها الدنيئة.
وأسباب ووجود وانتشار هذه الظاهرة من الظلم تحميلها على طرف دون آخر أو جهة دون غيرها، وللقضاء عليها لا بد من تضافر الجهود إليها كون الهم واحد والهدف واحد والوطن واحد.
واسمحوا لي أن أبدأ برأس المشكلة.. وهو صاحب المنشأة الذي يستقدم عمالة أكثر من حاجته ويتركها دون ضابط سائبةً ويمكنها من انتهاك الأنظمة التي وضعتها الجهات المسؤولة لحماية الاقتصاد الوطني والمحافظة على أمن الوطن واستقراره وسلامته. ومن المؤكد أن الدولة لم تدخر وسعاً في سبيل دعم القطاع الأهلي وتوفير كل أسباب الرعاية والتسهيلات المتعددة التي تمكن هذا القطاع من القيام بدوره المأمول في مسيرة التنمية.
ويبقى دور المواطن الذي ينطلق من وعيه وإدراكه لدوره على الأصعدة كافة.. هذه المسؤولية تتخطى بكثير المصلحة الشخصية الوقتية وتلتزم بالمصلحة العليا للوطن، فمنه نستمد جميعاً أدوارنا المحددة.. كمواطنين وخصوصاً بعدم تشجيع هذه العمالة المتسيبة أو التستر عليها أو إسناد الأعمال التجارية أو المهنية إليها أو التعامل معها، فالقضاء على هذه الظاهرة يتطلب منا كمواطنين أن نسهم مع الجهات المختصة بإغلاق الأبواب المفتوحة أمام جميع العمالة المخالفة للأنظمة.
الأمر الذي يجعلنا نحد من الانعكاسات السلبية ومنها الهيمنة والحصارات المتزايدة لبعض النشاطات التجارية والصناعية والزراعية نتيجة تكتلات الوافدين، فأصبح هنالك سيطرة واضحة وسياسة واحدة تعتمد على العنصرية المنظمة بين جنسيات محددة، وإيواؤهم ومساندتهم لبني جلدتهم تتم من خلال العديد من وسائل الالتفاف والطرق الملتوية حتى وصلت درجة التأثير والتحكم في حركة بعض الأعمال التجارية إلى سقوط وإفلاس العديد من المستثمرين السعوديين، ولم يعد للمواطن أي مجال لخوض المنافسة بين تكتل تلك الجنسيات المختلفة التي كوشت على الرطب واليابس ولم يبقوا للمواطن حتى الفتات، والغريب حقاً بأنهم لا يبحثون عن العمالة الرخيصة كما يعمل تجارنا بل إصرارهم على اقتصار العمل فقط على أبناء جنسيتهم، وهذا مما يجسد تكاتفهم وترابطهم، ولكن أين نحن من تلك البرمجة!! مع شديد الأسف بعض المنشآت الوطنية خلال العامين الماضيين سخرت جهودها لمحاربة المشروع الوطني للسعودة وفتلوا عضلاتهم وبذلوا قصارى جهدهم لترسيخ صورة سلبية عن شبابنا مشوهة بالطبع بقيادة من يهمهم الأمر لبقاء شبابنا على الأرصفة، وأقصد بذلك أعداء إحلال الكوادر والوطنية.. فهل نسوا أو تناسوا أن شبابنا -ولله الحمد- أثبتوا كفاءتهم وجدارتهم وكانوا بحق موضع فخر واعتزاز في العديد من القطاعات الناجحة. ويعود أبرز أسباب نجاحهم إلى جانب الرواتب والتدربب والوسائل المحفزة هو أن مديريهم مواطنون وليس كبعض المديرين المقيمين الذين يشعرون بأنهم في سباق البقاء فيستولون على الكراسي حتى لا تكون متحركة مما يجعلهم يمارسون مع شبابنا كل وسائل التطفيش والمحاربة، والمشكلة أن صوتهم هو المسموع عند بعض أصحاب العمل فنصبوا على الوظائف وأعطوا الصلاحيات فصاروا هم الخصم والحكم وتقاريرهم هي النافذة والمعتمدة.
ألم يكن من الممكن أن نستوعب درس الفشل ونكون كمجتمع واحد أكثر ترابطاً وتماسكاً ولا نتيح الثغرات التي صنعناها بأنفسنا وتمكن بعض الوافدين من استغلالها لغرض العبث بأمننا..!! اذاً ما الذي يمنعنا من درء الخطر والشر، هل هنالك من يقف أو يعترض إذا كان كذلك السؤال لمصلحة من؟! لقد آن لنا أن نواجه تلك الأضرار الفادحة والشرذمة المخالفة بحزم وواقعية وأن لا نترك الفرصة لكل ضعفاء النفوس المتهاونين أو المتخاذلين أو المتلاعبين في تطبيق الأنظمة، لأننا إلى متى ونحن نتجرع المرارة ونشعر بالأسى عندما نرى ساحة سوق العمل لدينا أصبحت تحتضن جميع الجنسيات بمختلف أحجامها وقدراتها وعلاتها، وأهل الوطن خارج التشكيلة يتفرجون وهم على المنصة!! فهل حان الوقت لكي نسخر طاقات شبابنا ونزاحم بهم الآخرين الكتف بالكتف والخطوة بخطوة؟! وأنا أجزم بأن شبابنا ليسوا أقصر قامة ولا أقل حجماً ولا ينقصهم سوى أن نقدم لهم الثقة والمساندة النابعة من شعورنا الوطني الصادق بما يحقق لنا ولمجتمعنا وأبنائنا وبناتنا على مدى قريب أو بعيد الخير والمصلحة.
ومن بين القرارات والجهود الرامية لمواجهة تلك الظاهرة صدر مؤخراً قرار إدارة الجوازات المتضمن فتح باب المهلة للعمالة المخالفة لمغادرة الوطن بعد إنهاء إجراءات سفرهم دون أن يترتب عليهم أي مسؤولية أو التزامات مالية، بل الجوازات هي بدورها تتكفل بمصاريف ترحيلهم وبمحض إرادتهم، ولكن الأهم والمهم في الوقت نفسه هل وزارة الداخلية جادة في إخراج من لم يستفد من تلك المهلة المؤرخة؟! وما هي الإجراءات المستقبلية للحد من عودة وتفشي الظاهرة مرات أخرى مع غيرهم من العمالة الوافدة؟! لأن معالجة الظاهرة لن تكون مجدية وفاعلة إذا اقتصرت على القبض والإبعاد، إنما على الحد من استقدام العمالة الوافدة.
وأخيراً:
جاء تهديد وزير العمل المهندس عادل فقيه في تصريحه الجاد والحازم لمرافق القطاع الخاص بأكمله بإيقاف الاستقدام عنها بهدف سعودة الوظائف لأبناء الوطن العاطلين عبر برنامج «نطاقات» المربطوطة بمصفوفة من الحوافز والتسهيلات..
نقول إن هذا القرار وجيه وصائب وجدير بالإشادة والتقدير كونه جمع بين الفرض والترغيب، ونقول إن نجاح القرار يعتمد على آلية واستمرار التنفيذ بكل حزم وصرامة دون تراخ أو محاباة كصرامة (نظام ساهر). ونقول أيضاً إن العدالة من دون قوة خاسرة يا معالي وزير العمل، والقوة من دون عدالة طاغية.. فالقرار فيه غاية من الحكمة ومسعى جاد للحد من العمالة السائبة، تلك الظاهرة التي خلفت سلبيات عديدة تضرر منها الوطن والمواطن على حد سواء، وتحقيقاً لإيجاد فرص عمل للمواطنين السعوديين بخاصة الوظائف التي يمكن سعودتها، وأقصد بذلك التركيز في تحديد النسب طبيعة المهن التي لا يقبل المواطن العمل فيها لأنه ليس من العدل الاستقدام وأبناؤنا يقابلون الجدران في منازلهم ويعيشون كالأطفال على نفقة آبائهم، وليس من العدل أن نطالبهم بالبحث عن عمل وأبواب المنشأة مغلقة في وجوههم في الوقت الذي يجدون أمامهم الآلاف من الأجانب والمؤسف حقاً أن الحل والربط في التعيين والفصل في بعض المنشآت أصبح بأيديهم، وهذا ليس إنصافاً بل إجحاف في حق (عيال الديرة)..!!
نقاط هامة لابد من مراعاتها:
أولاً: لا بد من مراعاة طبيعة المهن في تحديد النسب، فهنالك فرص عمل ملائمة للمواطن فتلك يجب التركيز عليها، أما المهنة التي لا يقبلها المواطن كالعامل مثلاً فيغض الطرف عنها مع تشديد عقوبة الالتفاف أو التحايل على النظام لكل من يستقدمون على مهنة عمال (صوريا) ويتضح فيما بعد عكس ذلك، يعني أن التعاقد تم مع هؤلاء الوافدين على مهن إدارية والتأشيرة والإقامة مسجلة بمهنة عامل.
ثانياً: الاهتمام بجانب الابتعاث، فهذا الأمر يحقق جملة من الأهداف لعل أبرزها اعتماد شبابنا على أنفسهم في كثير من الأمور التي بدورها تعزز ثقتهم في أنفسهم وشعورهم بالمسؤولية وكذلك تنمي ثقافتهم مع معطيات العصر الحديثة.
ثالثاً: علمت بأن وزير العمل سوف يشكل لجنة تحت مسمى لجنة الموارد البشرية، وفي اعتقادي أن نجاح اللجنة مرتبط في أعضائها ودورها وصلاحيتها، من هنا أرى ضرورة مشاركة أهل القضية (الشباب) في هذه اللجنة، كذلك عضوية بعض الجهات الرسمية كمجلس الشورى وهيئة حقوق الإنسان.
وقفة:
مع خالص الود والتقدير لكل المقيمين الباحثين معنا في وطنهم الثاني عن لقمة العيش وكسب الرزق وتحقيق النجاح.. وأنا أجزم بأن هنالك المئات بل الألوف منهم يعملون في بلدنا المعطاء منذ سنوات عديدة بكل إخلاص وتفان وحب للوطن وأبنائه، ونحن نحيي هؤلاء ونبادلهم المشاعر الصادقة ونقدر تفهمهم وتعاونهم المتمثل باحترامهم لكل الأنظمة.