موقف حصل لي قبل بضعة سنين لا زلت أتذكره وأضحك منه. ذهبت في رمضان أشتري طعاماً قبل أذان المغرب بقليل، ولما كنت أنتظر تجهيز طلبي قررت أن أقطع الوقت قليلاً بتحريك وتمرين يديَّ وذراعيَّ لأني كنت أشعر ببعض التصلب والخمول في جسمي، ولما رآني أحد العاملين المصريين أقوم بهذه التمارين سألني «تتجهز للفطار؟»، حينها لم أتمالك نفسي وانفجرت ضاحكاً أمام الجميع وأنا أتخيل تلك الصورة التي أوحت بها حركاتي، وكأني شخص يمارس التمارين حتى يعود لبيته وينتظر سماع الأذان بفارغ الصبر لينقض بوحشية على الفطور حتى لا يبقى منه شيء! الغالبية العظمى من المصريين الذين تعاملت معهم أجد أنه يلقي تعليقاً طريفاً في الحوار بشكل يبدو كأنه لا شعوري، وهذا من الأشياء التي أغبط المصريين عليها، فالنكتة جزء من صميم المصري يولد معها ولا يفارقها أبداً، وهي خصلة رائعة لا أملك إلا أن أشيد بها، ذلك أن الضحك ليس مجرد تعبير مثل أي تعبير آخر بل هو من الآليات العلاجية التي جعل الخالق سبحانه فيها لنا إيجابيات كثيرة جداً. ليس هذا فقط بل إن الضحك -أقولها بثقة- يمكن اعتباره مصنع دواء متكامل!
***
للضحك دور بالغ الفعالية في تحسين صحتنا، فمن فوائد الضحك: يعزز جهاز المناعة، يخفف من أعراض الروماتيزم، يقلل من ارتفاع ضغط الدم، يفرز مادة تمنع قرحة المعدة، يخفف من الأمراض الصدرية المزمنة ويحسّن التنفس، يقلل من إفراز مادة الكورتيزول وهي مادة يفرزها الجسم عند التوتر وتقليل إفرازها يخفف من آثار الضغط النفسي، يقوي عضلات البطن، يزيد من الأجسام المضادة في اللعاب مما يخفف من الأمراض التنفسية التي تصيب الأنف والحنجرة والجيوب الأنفية. دراسة نُشرَت عام 2005 أجراها باحثون في جامعة ميريلاند الأمريكية وجدت أن الضحك يفرز مواد توسع البطانة الداخلية للأوعية الدموية وتزيد من تدفق الدم، وهذا بدوره ينعكس إيجابياً على الدورة الدموية. الباحثون أنفسهم وجدوا أن تلك المواد نفسها لها تأثيرات أخرى، منها تخفيف تكتل الصفيحات (وهذا يقلل احتمالات الجلطة) وكذلك تخفيف الالتهابات.
***
ليس هذا فحسب بل إن الضحك دواء فعال للألم. باحثون في جامعة لوما ليندا في كاليفورنيا وجدوا أن الضحك يحث الجسم على إفراز مادة الأندورفين مما يجعل الشخص يشعر بنوع من النشوة وفي الوقت نفسه فهذه المادة تخفف الألم أو تزيله، إضافة إلى شعور عام بالتحسن. من الأعاجيب في هذا الموضوع هي قصة رجل اسمه نورمان كوزنز، والتي دوّنها في كتاب يروي فيها قصته الغريبة، وقصتها باختصار أن الكاتب أصيبَ بمرض التهاب الفقار المقسط، وهو مرض مزمن يصيب المفاصل بالالتهاب وجهاز المناعة بالضعف. هذا المرض يمكن أن يكون بسيطاً يمكن تخفيفه بالدواء والرياضة، أو يكون شديداً يدمر جهاز المناعة والمفاصل تدريجياً، وهذا الأخير هو ما أصاب نورمان، لدرجة أنه من شدته جعل الأطباء الذين شخّصوا المرض يجزمون لنورمان أنه لن يعيش أكثر من أشهر قليلة، وهذا ما أحبط نورمان، لكنه أيقن صائباً أن الاستغراق في الإحباط لن يزيد حالته إلا سوءاً، وأن الأفكار الإيجابية قد تكون لها فرصة في تحسين حالته ولو قليلاً. ماذا فعل؟ ترك المستشفى واستأجر غرفة في فندق حاملاً معه الكثير من حبوب فيتامين سي وأشرطة برامج فكاهية مثل الكاميرا الخفية ولم يعد له هم إلا المشاهدة والضحك. بدأ نورمان يكتشف أن مجرد دقائق معدودة من الضحك جعلته ينام بشكلٍ أفضل لأنها صارت تعطيه ساعتين من النوم على الأقل لا يشعر فيهما بألم. عندما استمر على هذا المنوال لم يتحسن فحسب بل شُفي تماماً! وهذا ما حثه على نشر قصته في كتاب عام 1964م باسم «توضيح مرض».
***
إذاً إجعل هذا جزءاً من حياتك اليومية: إذا تكاثرت عليك الضغوط أو الآلام فاترك علبة الدواء قليلاً والتقط كتاب طرائف ودع الآلام والضغوط تتلاشى.