لم أشك في أي وقت بأن صناع القرار عندنا يدركون الصعوبات التي يواجهها المجتمع ككل في تفهم وتقبل مستجدات الحياة، في منطقة ظلت بعيدة عن أحداث ما يخرج عن حدودها، ولعل أهم تجديد مر عليها بعد اعتناقها الإسلام هو توحيد مناطقها المتباينة ثقافية وجغرافيا وإن اشتركت في تراثها تاريخيا.
ولذلك سعدت بالقرارات الأخيرة الواضحة التركيز على وضع الأهمية والأولوية، حيث يجب أن تكون في محاولة تعويض الزمن الضائع في التلكؤ المجتمعي؛ أي البدء بإيجاد حلول لمشكلة تمكين المرأة، وتوظيف الخريجين وتعديل موقع الاعتماد على العمالة حتى في ما لا يتطلب عمالة مهارة ربما نفتقدها. وسعدت بأننا نتوجه لأخذ متطلبات السعودة بجدية الفعل وصنع القرار.
كمجتمع جديد على المؤسساتية الحديثة لا يتجاوز عمره فيها قرنا واحدا، ويحاول مواكبة انجازات المجتمعات المتقدمة نعاني أخطاء إستراتيجية متعلقة بمعتاداتنا: وعلينا أن نخرج من دائرتها المغلقة: نتعلم التفاعل بأسلوب الاستعداد الشامل للمتغيرات وبمنطلق المبادرة والتخطيط أي توقعها مسبقا وإيقافها قبل حدوثها، وليس بأسلوب ردود الفعل لحل الأزمات بعد وقوعها. لا يكفي أن نعالج المشاكل بحلول تجميلية وتسكينية تتوجه للأعراض وليس أصل المشكلة. خطأ استراتيجي ما زلنا نرتكبه أسريا ومجتمعيا ومؤسساتيا ونتعايش مع نتائجه السلبية من زمان أننا لا نعالج المشاكل باستئصال أسبابها وجذورها بل نركز على تشذيبها لتصبح أقل إزعاجا أو إيلاما. علاجاتنا المعتادة موجهة لتسكين الأعراض وليس تشخيص واجتثاث مسببات العلة.
وهذا ما جعل مشاركة المرأة موضوعا مطروحا للمناقشات الهامشية وليس فرضية متقبلة بدهيا.
كدارسة للقرارات التنموية أثمن ضرورية الخروج من هذه الحلقة المفرغة التي ظللنا ندور فيها حتى اليوم، بأن نغير إستراتيجية التغيير في ما يتعلق بتطوير الأوضاع لمواكبة متطلبات الحاضر وضغوطه المعيشية. بأن نخرج من منطلق الإقناع قبل البدء, إلى أولوية الفعل وتغيير أرض الواقع.. أي بتجنب استثارة الجدل المعتاد. فيقتح دون تأجيل باب التوظيف والتدريب للراغبات في شتى المجالات باقتناع ودعم من صاحب القرار, وان نحدث في جدول زمني مدروس التغييرات المطلوبة. وتكون إستراتيجيتنا هي تحفيز التطور الفكري العام كمحرك للتنمية, فنعمل بهدوء لتوجيه رؤية المجتمع لتركز على المستقبل. وأن يتزامن التغير المطلوب في كل المؤسسات المعنية؛ أي مع إعادة توازن محتوى مناهج التعليم بكل مستوياته، ومع إعادة تشكيل وهيكلة المؤسسات الرسمية المعنية، واستنفار المؤسسات غير الرسمية للمشاركة الداعمة، وترسيم أنظمة وإجراءات رسمية داعمة لتفعيل المرأة ورادعة للتجاوزات، قابلة للتطبيق والمتابعة والتحسين, بالإضافة إلى سن العقوبات للممارسات التي نقف عائقا دون ذلك، ولاشك أن استقطاب قادة الرأي من كل التيارات الفكرية لدعم التوعية والمشاركة فيها سيسرع في إحداث التغير العام.
ضروري أن نتحرر من الارتهان لما اعتدنا عليه من التفضيلات الفئوية غير المناسبة لمتطلبات التنمية اليوم. وأن نركز على ما يفيد المجموع وبمعايير يمكن قياسها على أرض الواقع ومؤشرات واضحة في مستوى معيشة المواطنين. والأولية التي لا يجب أن نختلف عليها هي أن يكون توجهنا وتركيزنا على المستقبل القادم وليس على بكائيات أمجاد الماضي أو شكوى عجز الحاضر؛ وأن نخرج من فروسيات الجدال المنبري حول خطر عمل المرأة أو حضورها في المجتمع إلى تنافسية مشاريع التدريب والتأهيل والتوظيف ومكافأة الأكفأ، ووضع الإجراءات المساعدة لفعالية اليد العاملة والموظفة والمستثمرة وصاحبة العمل وحمايتها من العقبات أو الاستغلال سواء كانت رجالية أو نسائية.