الإعلام هو نقل الحقيقة، وجَعْل المتلقي يعرف ما يحصل دون أن يُضاف شيء ويجري التدخل لتغيير الوقائع.
هكذا تعلمنا، وهذا ما يجب أن يحصل، وهو أن يكون الإعلام عين الحقيقة، ينقل حقيقة ما يحدث، إلا أننا من خلال ما يحصل في أكثر من دولة عربية، فيما يسمى بالربيع العربي، نرى أنه مثلما الشعوب ضحية مما يحدث فإن الإعلام والحقيقة ضحيتان تُذبحان كل يوم على مرأى ومسمع الجميع، وأن المحطات الفضائية (المذبح والمسلخ) الذي تتم فيه عمليات الذبح اليومي للحقيقة.
من شهود عيان إلى صحفيين وإعلاميين ومحللين سياسيين يعملون تحت ظل النظام المهدَّد بانتفاضات الشعوب إلى ناشطين سياسيين يقيمون في الخارج، وبعضهم يعمل من أجل إنجاح أجندات سياسية، ليس بالضرورة تلتقي أهدافها مع مخرجات ما يحدث على الأرض.
ولأن الدول التي تشهد انتفاضات تُضيِّق على الإعلام الحُرّ، وبعضها يمنع دخول أي إعلام لمناطق الأحداث غير الإعلام الرسمي، نجد أن هناك تبايناً في نقل الأحداث؛ فالدول التي سمحت للإعلام بجميع اتجاهاته بتغطية الأحداث تستطيع أن تحصل على الحقيقة بتنحية المحطات ذات الأهداف الخاصة، أما الدول المغلقة أمام الإعلام الحُرّ فتجد أن المحطات الفضائية تلجأ إلى «المتطوعين» من الناشطين والمدونين جنود الإعلام الجديد الذين يزودون المحطات الفضائية برسائل مصورة عبر التوتير والفوس بوك والإنترنت، وطبعاً تلك الرسائل تُعبِّر عن توجهات مرسليها، كما أن «شهود العيان» الذين يجري الاتصال بهم لتعويض عدم وجود مراسلين محترفين تابعين للمحطة يتحدثون عما يتوافق مع مواقفهم، وعندما تطلب المحطة الفضائية التلفزيونية تعقيباً أو توضيحاً من الصحفيين في البلد الذي يشهد الأحداث يقوم ذلك الصحفي بتشنج ظاهر بالدفاع عن النظام، ويُكذِّب ما تنقله «كاميرات المتطوعين»، ويذهب البعض منهم إلى أبعد من ذلك، إلى الكذب على المشاهدين، وينفي حقائق يراها الجميع على الأرض. أما الناشطون السياسيون فكلٌ يتحدث عن وجهة نظر وموقف البلد الذي يعيش فيه.
هكذا تضيع الحقيقة، ويُذبح الإعلام من الجميع، وتظل تتنقل بين محطة وأخرى تريد أن تعرف الحقيقة، إلا أنك في النهاية لا تستطيع أن تصل إلى ما تريد أن تعرفه، وتظل عاجزاً بعد أن حُجبت الحقيقة حينما ضُيِّق على الإعلام الحُرّ في أن يؤدي عمله؛ ما أفسح المجال لكل الأطراف لانتهاج الإعلام الكاذب.