تعيش الفتاة السعودية في أغلب الأحيان وهي تحمل في عقلها فكرة قديمة وبالية لا تتوقف عن النمو والتجدد وهي أن (الحياة رجل) وأنها بلا رجل تكون نصف امرأة بل لاشيء أحياناً، ضاربين بعرض الحائط شخصيتها وكيانها، فتكبر وهي تنتظر «فارس الأوهام» هذا خوفاً من تلك المقولة الشهيرة والغبية جداً (لا يفوتك القطار) فتتزوج وهي تحمل في قلبها وعقلها أحلاماً بحجم السماء أو أكبر عن روعة هذا القطار الذي سيقلها لعالم السعادة الأبدية.
أما حين تتزوج فسيولد مع ليلة الزواج الأولى همّ من نوع آخر، ستحمله على أكتافها حتى آخرلحظة من حياتها أو حياته! وهو الحفاظ على الزوج من أي عنصر نسائي خارجي قد يشكل خطرا على زوجها وبيتها، فتنصحها والدتها دوما ًبأن تكون له زوجة وصديقة وأما وأبا وطباخة و(فشة خلق) ومؤخراً دعما مادياً براتبها البسيط أصلا، تحرّصها على أن تلعب جميع الأدوار بمهارة حتى لا تسرقه منها امرأة أخرى.. عاشت والكل ينصحها ويذكرها مراراً وتكراراً زوجك زوجك زوجك! حفظوها ما هي واجباتها ولم يخبروها ما هي حقوقها، علموها كيف تحبه ولم يعلموها كيف تحب نفسها، أجبروها على انتظاره دون أن ينبهوها أن الحياة تنتظرها، ظلموها حين صوروا لها أن الزواج هو الحلم والخلاص الجميل الذي ينتظركل فتاة دون أن يهيئوها لسيناريو آخر.
حتى نسيت نفسها وأصبحت لا تعلم أين هي من خارطة هذه الحياة، حين ألغت ذاتها وحياتها وهواياتها وأحلامها في غفلة من أمرها، وذابت كما يذوب السكر في أعماق كوب الشاي في هذه العلاقة الزوجية، وأتقنت فن العطاء والتفاني بلا مقابل، عشقت وأدمنت الاحتراق لتضيء دربه وحياته، وفاقت من تلك الغيبوبة الطويلة وهي ابنة الخمسين عاما ًبعد أن ضاعت نصف حياتها وهي تقدم تضحيات بالجملة، ولكنها استيقظت متأخرة.. متأخرة جدا ًبتجاعيد على الوجه والروح، وألم وحسرة على تلك السنين التي قضتها دون أن يمنحها زوجها سوى مصروف آخر الشهر.
دخلت لعالم الزواج بقناعات سحقت ثقتها بنفسها حتى أضحت تخاف من ظل امرأة قد تخسرها زوجها المصون، تتأزم وتحتقن مع أي طارئ قد يحدث، أضحت تقدم الشك والخوف على الحب والثقة وهي لا تدري، فهي ابنة مجتمع أجبرها على أن تعيش حالة طوارئ أبد الدهر خوفا ًعلى زوجها من شبح امرأة أخرى، فلطالما نصحوها بألا تسمح له بالسفر وحده إلى مدن القائمة السوداء - التي نعرفها جميعا - وألا تفتح عينه على عالم الفضائيات والإنترنت، كثيراً ما حرّضوها على تفتيش هاتفه الجوال وثيابه بعد سفره لعلها تلتقط رسالة من هنا أو شعرة من هناك..
بل حتى عندما تتفتح أمامه كوردة جميلة لا يمسها أحد غيره، تهديه الجمال والعطر بسخاء في كل حين، ويعجب ذات طمع بامرأة أخرى سيشككون في عطائها واهتمامها به، سيلقون عليها الذنب والتهم، وسيخلقون مئات الأسباب والمبررات التي دفعته ليقطف زهرة جديدة.
وهنا سؤال يطرح نفسه.. إذا كان الزوج مخلصاً وفياً كريماً فلماذا كل هذا الخوف والقلق والهلع من النساء الأخريات؟؟ وإذا كان (نسونجيا ً) خائنا ً شعاره في الحياة «امرأة واحدة لا تكفي» فهل يستحق منك نزيف العمر والقلب والأعصاب؟؟
كم هو جائر تعاملنا مع كيان الفتاة وروحها، كم هو قاس حكمنا على الزوجة وحياتها.. كم هي خاطئة تلك المعتقدات البالية التي نجبر الزوجة على مضغها ليل نهار، فليس من باب أولى أن نزرع في داخلها الثقة بنفسها أولاً وبمن حولها، ونعلمها حقوقها مع واجباتها، أليس من الحكمة أن نفهمها أن يفوتها القطار أفضل بكثير من أن يدهسها فيقتلها؟؟
هذا المقال ليس ضد الاهتمام بالزوج ومتابعة أمور حياته، بقدر ما هو دعوة لحياة أكثر عقلانية وهدوءاً وتوازنا ًومطالبة بإعادة التفكير بكل المسلمات التي أحسب أن الزمن تجاوزها منذ سنين بعيدة.. هو ليس أكثر من همسة في أذن كل امرأة رائعة أدمنت لغة التفاني لتعيد النظر في حياتها وتسأل نفسها هل أنا سعيدة ومطمئنة من الداخل؟؟ فإن فاقد الشيء لا يعطيه.
نبض الضمير:
(لقد قررت وهذا يكفي، أن أحارب من أجل ما أريده، وأن أكون ما لا يريده الآخرون لي)
- أوبرا وينفري -