|
منذ وقتٍ ليس ببعيد، تناقل العاملون في المقرّ الرئيسي لـ»كرايسلر» (Chrysler) مزحةً في ما بينهم مفادها أنّ أربعة غرباء في مصعد يشكّلون «فريقاً». وعليه، نستنتج أنّ المسألة هذه الأيام هي مسألة تعاون، ولا أحد اليوم يعمل لساعات أطول، إنما يتعاون مع الآخرين. ولا شكّ أنّ التعاون يولّد الابتكار والالتزام والتنفيذ. وعندئذٍ، يكون دور المدراء الجيدين في «تسهيل التعاون» إنما ليس التوجيه.
ومسيرة التعاون مليئة بالعقبات. أوّلها التعاون يستغرق وقتاً طويلاً؛ فكلما بذلتم جهداً أكبر، قتلتم الدافع. وثانيها تقنيات التعاون مثال الرزنامات المتبادلة التي يتولّد عنها في غالب الأحيان جداول اجتماعات مكثفة ولفيفاً متشابكاً من الرسائل الإلكترونية.
كما أنّ التعاون لا يؤدي دائماً إلى نتائج إيجابية، والدليل على ذلك حجم الطاقة التي يسخّرها الناس على منهجيات بديلة، قل حلولاً لمشاكل ناجمة عن أنظمة أو عمليات قديمة أم معطّلة أم غير نافعة. وأحبّ أن أطلق على هذه العملية تسمية «التعاون العلاجي».
وما هو أكثر إزعاجاً هو «التعاون المعارض» الذي يأتي في غالب الأحيان نتيجة فشل المنظمات الرسمية أو مواطن الضعف لديها. وخلافاً للتعاون العلاجي، لا يسعى التعاون المعارض إلى معالجة مواطن الضعف، بل يحاول تعزيزها إلى حدّ التوصل إلى معادلة جهود مغرية أو هوية معارضة مميّزة. والطاقة الابتكارية في هذا الصدد التي بالإمكان توجيهها نحو إصلاح العمليات الرسمية هي غالباً ما يتم توجيهها نحو في قوالب روتينية دفاعية ومعارضة على حدٍّ سواء.
وبالنظر إلى العقبات المذكورة آنفاً، يواجه العديد منا التحدي الآتي: كم من التعاون ضروري فعلاً؟ ومتى يضفي التعاون قيمةً ومتى لا؟
فالحقيقة أنّ التعاون يؤتي بأفضل نتائجه عندما يعمل الناس معاً على مشاكل:
1- لا يوجد حلّ واضح لها - باعتبارها مشاكل غير روتينية.
2- لا تتمتع ببنية محددة - وبالتالي ما من نهج مألوف يمكن اتباعه من أجل معالجتها.
3- تتطلّب صنع قرار جماعي - تكون فيه المشاطرة أمراً ضرورياً ربما لكن لا يمكن تفويضه.
هذا وقد يُعتبر التعاون مسألة قيّمة عندما يعمل الناس معاً على أمورٍ وقضايا تستلزم التفاوض بشأن تحديد المعنى والتنظيم، كما قد تكون نافعة في حلّ المشاكل التي تتطلّب خيالاً وبنيةً وتشاركاً للمعرفة. وإنّ تعاوناً من هذا النوع يمكن أن يساعد المنظمات على الابتكار - ويعود سبب ذلك بشكل كبير إلى أنه يوجه طاقات الناس الإبداعية - ويمكنه كذلك أن يساعد المنظمات على التأقلم مع التغييرات في العالم من حوله.
وإذا ما استثنينا العناصر الآنفة الذكر، نجد بأنّ التعاون يشبه إلى حدٍّ كبير السلوك الذي نلاحظه لدى الأطفال عندما يلعبون داخل صندوقٍ رمليٍّ بحيث يلعبون جنباً إلى جنب لكن ليس بالضرورة مع بعضهم البعض.
(روبرت ج. توماس هو المدير التنفيذي لمعهد «أكسانتشور للأداء العالي» (Accenture Institute for High Performance) وبروفسور في جامعة «برانديس انترناشونال للأعمال» (Brandeis University International Business School). وقد ألّف أو شارك بتأليف ثمانية كتب حول الريادة وتغيير بنية المؤسسات، نذكر منها «اختبارات القيادة» (Crucibles of Leadership) و»تمرير النتائج عبر الشبكات الاجتماعية» (Driving Results through Social Networks).