عندما نتحدث عن أزمة البحث العلمي في العالم العربي، فإن ذلك يستدعي مناقشة أسباب التخلف العربي، عن اللحاق بالركب العلمي للدول المتقدمة، حالت - للأسف - دون رقي الدول العربية إلى مصاف الدول المتقدمة، بعد أن كانوا أصحاب السبق، والريادة في هذا الباب.
مما يؤكد على مدى الفجوة الواسعة بين مؤسسات البحث العلمي في الدول العربية، وبين مستواها من حيث الإنتاج.
في الشهر الحالي، قدم مركز «اسبار للدراسات والبحوث والإعلام» قضيته هذه المرة تحت عنوان: «أزمة البحث العلمي.. والتنمية»، - للدكتور - فهد العرابي الحارثي، تناولت إشكالية البحث العلمي - بصفة عامة -، وفي الدول العربية - بصفة خاصة -، والعلاقة بين البحث العلمي، وقطار التنمية. وتناول البحث - أيضا -، حجم الانفاق على البحث العلمي في الدول المتقدمة، مثل: الولايات المتحدة الأمريكية، ودول الاتحاد الأوروبي، واليابان، مقارنة بما هو عليه الحال في الدول العربية، التي لا يتجاوز فيها حجم الإنفاق على البحث العلمي «535» مليون دولار، أي ما يعادل: «11» في الألف من إنفاق العالم على البحث العلمي، والذي يصل إلى «536» بليون دولار، في الوقت الذي تنفق فيه إسرائيل - وحدها - على البحث العلمي، ما يقرب من «9» مليارات دولار، أي: أضعاف ما تنفقه الدول العربية مجتمعة. كما تطرقت ورقة العمل، إلى أزمة البحث العلمي في الدول العربية، وأهم أسباب تراجع مستواه، - ولاسيما - وأن البحث العلمي في الدول العربية، يعد مهمة الحكومات، فضلا عن خضوع مؤسسات البحث العلمي إلى الإشراف، والرقابة الحكومية، وهو ما يساهم بشكل كبير في تراجع مسيرة التنمية في مجال البحث.
ومقارنة بما سبق تأتي التجربة اليابانية، والماليزية، والهندية، والصينية في مجال البحث العلمي؛ لتمثل حالة فارقة في: كيف تقود عملية التنمية في البحث العلمي إلى تحقيق التنمية المستدامة؟
أشارت الدراسة إلى أن الدول العربية، وبعض دول العالم الثالث لا يتجاوز إنفاقهم على البحث العلمي أكثر من «116» بليون دولار. وهذا المبلغ ليس لأمة العرب فيه سوى «535» مليون دولار ليس غير، أي: ما يساوي «11» في الألف من الدخل القومي لتلك البقية من العالم، ومعظم الدول العربية لا تظهر أرقامًا، وإحصاءات عن الباحثين، والبحث العلمي، فإذا ظهر شيء من ذلك، فيكون غير مطمئن، وخذ على سبيل المثال: الإمارات «0.6%»، والكويت «0.2%»، والأردن «0.3%»، وتونس «0.3%»، وسوريا «0.2%»، ومصر «0.2%». كما أن جملة الباحثين في الوطن العربي، هم أقل من «16» ألف باحث، وتكلفة الباحث الواحد في السنة، لا تتعدى «36» ألف دولار. وفي إحصائيات صادرة عن الجامعة العربية، في العام «2006م»، أنه يقابل كل مليون عربي «318» باحث، في الوقت الذي تصل فيه النسبة في الغرب إلى «4500» باحث لكل مليون شخص.
يذكر أن إسرائيل، تنفق على البحث العلمي «9» مليارات دولار، حسب معطيات العام «2008م»، وهو ما يوازي «4.7%»، من إنتاج إسرائيل القومي. كما أن معدل ما تصرفه حكومة إسرائيل على البحث، والتطوير المدني في مؤسسات التعليم العالي، ما يوازي «34.6%»، من الموازنة الحكومية المخصصة للتعليم العالي بكامله، أما باقي الموازنة فهو للرواتب، والمنشآت، والصيانة، والتجهيزات. وجملة الباحثين في إسرائيل، حوالي «24» ألف باحث.
وأفادت مصادر بوجود حوالي «90» ألف عالم، ومهندس في إسرائيل، يعملون في البحث العلمي، وتصنيع التكنولوجيا المتقدمة، - خاصة - الإليكترونيات الدقيقة، والتكنولوجيا الحيوية، وتكلفة الباحث الواحد في الدولة اليهودية «162» ألف دولار في السنة، أي: أكثر من أربعة أضعاف تكلفة الباحث العربي.
وفي الوقت الذي يوجد في العالم العربي «363» باحثاً لكل مليون نسمة، فقد بلغ عدد الباحثين في إسرائيل «25» ألفاً، بمعدل «5» آلاف باحث لكل مليون نسمة. وتلك أعلى نسبة في العالم بعد اليابان، التي وصل العدد فيها إلى «5100» باحث. وبالمجمل يبلغ إنفاق الدول العربية - مجتمعة - على البحث العلمي، والتطوير - تقريباً -، نصف ما تنفقه إسرائيل، على الرغم من أن الناتج القومي العربي، يبلغ «11» ضعفاً للناتج القومي في إسرائيل، والمساحة هي «649» ضعفاً.
واحتلت إسرائيل المرتبة الأولى - عالمياً -، من حيث نصيب الفرد من الإنفاق على البحث العلمي، وجاءت بعدها الولايات المتحدة الأمريكية، ثم اليابان، أما الدول العربية، في هذا المجال من المقارنة، فهي مائة مرة أقل من إسرائيل، فإسرائيل تنفق «1272.8» دولار - سنوياً - للفرد، والدول العربية في آسيا، بما فيها الدول النفطية، نصيب الفرد يبلغ «11.9» دولار فقط.
وبالنظر إلى نسبة الإنفاق على البحث العلمي، من حيث الدخل القومي، فإن إسرائيل تتساوى في الصرف على البحث العلمي مع اليابان، والولايات المتحدة، وألمانيا، وفرنسا. وإسرائيل - هكذا - تتقدم على دول، مثل: إسبانيا، وتركيا. وفي مصادر أخرى، فإن إسرائيل تنفق على البحث العلمي، ما يساوي «1%»، مما ينفق في العالم أجمع، وإسرائيل تنفق ضعف ما تنفقه الدول العربية - مجتمعة - على البحث العلمي، والتطوير. وإسرائيل هي أعلى دولة في العالم قاطبة، من حيث نسبة الإنفاق على البحث العلمي من الناتج القومي، فالولايات المتحدة تنفق «3.7%»، وبريطانياً «1.8%»، وألمانيا «2.6%».
وتشير التقارير الصادرة عن منظمة اليونسكو للعلوم والثقافة، في العام «2008م»، إلى أن الدول العربية تنفق «14.7» دولارا على الفرد في مجال البحث العلمي، بينما تنفق الولايات المتحدة «1205.9» دولار لكل مواطن، والدول الأوروبية - حوالي - «531» دولار.
ويؤكد التقرير الصادر عن منظمة اليونسكو في العام «2010م»، أن مستوى الإنفاق على البحث العلمي في العالم العربي، ضعيف للغاية، حتى في دولة كبرى، مثل: مصر ؛ إذ لا يتجاوز ما ينفق فيها على البحث العلمي «0.23%» من الموازنة العامة.
كما بلغ الإنفاق على البحث العلمي في الأردن «0.34%»، وفي المغرب «0.64%»، وفي سوريا «0.12%»، ولبنان «0.3%»، وتونس «1.02%»، والسعودية «0.05%»، والإمارات «0.6%»، والكويت «0.09%»، من إجمالي الناتج القومي.
بل إن المقلق: أن نسبة ما تنفقه البلدان العربية الغنية من دخلها الوطني على البحث العلمي، يقل بكثير عما تنفقه البلدان العربية الفقيرة، أو متوسطة الدخل.
بينما تشير الإحصائيات إلى أن إجمالي الإنفاق على البحث والإنماء في الجامعات، وفي مراكز البحث والإنماء العربية، قد بلغ «3.2» مليار دولار في العام «1990م»، بعد أن كان في حدود «2.3» مليار دولار في العام «1985م»، أي: ما يعادل «0.57%»، من إجمالي الناتج القومي في المنطقة العربية. وهذه النسبة ضئيلة جداً، إذا ما قورنت بما هو عليه الحال في الدول المتقدمة، إذ لا يقل متوسط ما ينفق على البحث العلمي عن «2.92%»، من إجمالي الناتج القومي لتلك الدول.
ويؤكد أحد الباحثين: أن العالم العربي يصرف «0.4%» في الألف مما يصرفه العالم على البحث العلمي، ولا يتجاوز تمويل البحوث في العالم العربي «0.2%» في الألف من التمويل في الدول المتقدمة.
وفي نسبة البحوث العلمية المنشورة دولياً، تصل الحصة العربية إلى «0.15%» في الألف - فقط -، مقارنة بـ«34%» لدول الوحدة الأوروبية، و«36%» للولايات المتحدة.
صفوة القول: تعتبر ميادين البحث العلمي أساس تقدم الدول، ونهضتها، - ولذا - فإن الحاجة إلى مراكز البحث العلمي، القائم على الملاحظة، والتجريب، وإعمال العقل، تتواكب مع إستراتيجية التنمية المتبعة، ودعم مؤسسات البحث العلمي عن طريق الدول، أو القطاع الخاص، أصبحت أهم من أي وقت مضى.
كما أن التعرف على طبيعة المشكلات التي تواجه البحث العلمي، والعمل على ضبطها، وتطويرها، مع الاهتمام بميزانيات البحث العلمي، والتقدم به، وتوفير مستلزماته - مطالب مهمة -. فالإنتاج الفكري، والتقدم العلمي، يستدعي أن نكون، أو لا نكون.
drsasq@gmail.com