|
تحقيق - منيف خضير
المجسمات الجمالية في المدن تعكس التطور والحضارة في الفكر والتصميم، ولكن من يتابع المجسمات في بلادنا يجدها تتشابه بحيث لا يمكن تمييز منطقة عن أخرى، وقلما تشاهد مجسماً يعكس ثقافة المكان والبيئة رغم تمايز بيئات مدن المملكة المترامية الأطراف..
من المسؤول عن هذا التكرار لثقافة المواعين؟
وما دور الأمانات والبلديات في خلق جماليات تخرج بنا بعيداً عن «ثقافة المواعين» ؟
وأخيراً إلى متى يظل الفن التشكيلي في المملكة ينطبق عليه المثل القائل: «لا تشكيلي أبكي لك»؟
موروث لا يمكن تجاهله
المهندس الضمني الرويلي (رئيس بلدية طلعة التمياط بالحدود الشمالية) تحدث عن هذا الموضوع قائلاً: هناك موروث في منطقتنا لا يمكن تجاهله ولكن بعض البلديات ركزوا عليه دون غيره، وبما أنني رئيس بلدية طلعة التمياط أخص مجسماتنا بالحديث دائماً، ورغم حداثة نشأة البلدية التي لا تتجاوز ثلاث سنوات فقد تم ولله الحمد الجمع ما بين الحضارة والتطور والنهضة العمرانية والتكنولوجيا والتراث بإنصاف دون تحيز لأحدهما على الآخر، فتم تنفيذ أغلب تراث أجدادنا بلمسات مميزة من الحجر الطبيعي وكذلك تم استخدام بمناظر جمالية وأخرى عن النهضة العمرانية ومجسم النافورة ومجسمات حديثة مثل الشكل ثـلاثي الأبعاد من أكلادنق وكــذلك مجسمات إلكترونية ومناظر جمالية تحاكي الطبيعة جارٍ تنفيذها وكلها مزينة بالإضاءة الليلية الجمالية.
وبالنسبة لجدة كنموذج مميز قال: جدة استفادت من الدعم غير المحدود من الميزانية العامة إثر الأحداث السابقة وكذلك التركيبة السكانية في جدة ساعدت على عمل جميع المجسمات بأشكال حديثة ولا أرى أنها مميزة، فالمميز من وجهة نظري هو الجمع ما بين الأصالة وعدم إهمال أحدهم على حساب الآخر.
وأضاف المهندس الرويلي:
ومن الإجحاف مقارنة جدة بأي مدينة صغيرة في المملكة فالميزانيات تختلف وكذلك الجهود الذاتية.
الاستعانة بمعلمي الفنية
وعن فكرة الاستعانة بمعلمي التربية الفنية بالمملكة أو الفنانين التشكيليين قال المهندس الضمني الرويلي: لا شك أن لهم دور في النواحي الجمالية، ولكن المهندسين أيضاً عندهم خبرة ومواهب لا تقل عن موهبة الفنانين التشكيليين إذا توفرت الإمكانات.
وشدد المهندس الرويلي على أهمية الاعتمادات المالية في تجميل المدن مشيراً إلى أن المجسمات الجمالية في كثير من مدننا تنفذ بجهود ذاتية لتكلفتها العالية في الأصل.
رفضنا الدلة والمبخرة
ثامر سودي قمقوم (عضو المجلس البلدي في عرعر) قال: موضوع المجسمات الجمالية في مناطق المملكة يستحق النقاش فالمسألة ليست حفاظا على التراث ولا هي إهمالا له ولكن يجب مسايرة العالم المتطور والتقدم وحتى مسايرة الجمال.
نحن في المجلس البلدي في عرعر صادقنا مباشرة على اختيار مجسمات جمالية أعطت المدينة جمالا أخاذا ورفضنا العمل على إنشاء مجسمات تراثية كالدلة والمبخرة والصحن والقربة لأنها أصبحت مستهلكة.
أما تميز جدة فلأنها مدينة كبيرة وتكثر الدورات فيها وبالتالي لا بد من وجود المجسمات وبكل تأكيد العمل في الدورات والمجسمات خاضع للأمانة إحقاقا للحق.
ونحن في كافة المدن لدينا فنانون مبدعون سواء في الرسم أو التصميم عن طريق الحاسب الآلي أو الابتكار بطرق متعددة، والمطلوب من الأمانات والبلديات الاستعانة بمعلمي ومعلمات مادة التربية والفنية وكل من لديه هواية الرسم والتصميم للمشاركة في تقديم مجسمات تخدم المدينة وتعطيها أبعادا جمالية.
وهنا أؤكد أنه لا يوجد معوقات سوى المبادرة والبحث عن المبدعين في مجال المجسمات المبتكرة التي تعطي المدينة جمالا أكثر.
استلهام التراث
الفنان التشكيلي صلال الضوي (أول معلم فنية سعودي في الحدود الشمالية) قال غاضباً : اختلف معكم كثيراً في مناقشة التراث وكأنه دخيل على الخلفية الثقافية للمملكة، فبلادنا لا بد أن تنطلق جمالياً من موروثها كما انطلقت روما وكما وصلتنا رسومات مايكل أنجلو أعظم نحاتي أوروبا، وليوناردو دافنشي أعظم مصممي أوروبا في عصر النهضة، فاستلهام التراث جزء من الإبداع البشري على مر التاريخ، والدلة والمبخرة يمكن أن تتحول إلى عناصر جمالية إذا صممت بطرق مبهرة وبأدوات قيمة ننطلق منها للعالمية كما انطلقت الحضارة الفرعونية بمسلاتها الشهيرة التي تتوسط معظم بلاد أوروبا وأمريكا وكما انطلقت الحضارة الإسلامية في الأندلس.
دعوني أسوق مثالاً جميلاً الفنان الموهوب عبد القادر السقاف قام بتصميم عدة مجسمات جمالية في عدد من مدن المملكة كتصميمه القواقع والمرسى بمدينة ينبع والصندوق وسلة البرتقال ودوار المبخرة بحائل ومجسم طبق الفواكه والقربه بطبرجل.
وهو أيضاً الذي قام بتصميم وتنفيذ مجسمات الجوف ذات الحجم الكبير كمجسم الدله والذي يبلغ ارتفاعه21م وقطره 8.75 م ومجسم المبخرة والذي يبلغ ارتفاعه20م وعرضه 11.5م كما قام بتصميم مجسم الصواني والذي بلغ ارتفاعه18م وقطره الأكبر 22م ومجسم المغازل الذي أخــذ الشــكل التراثي حيث بلغ ارتفاعه 17م و بلغ القطر الخارجي السفلي8.5م.
وتعتبر دلة الجوف أكبر مجسم للدلة موجودة بالمملكة والعالم العربي ـ وحسب علمي ـ فإن العمل جار على إدخال مجسما الدلة والمبخرة الموجودان بالجوف ضمن الأرقام القياسية لموسوعة غينيس.
ثقافة المواعين
أعجبتني المقدمة، فعلاً ثقافة مواعين..
هكذا سخر الفنان التشكيلي بسام الشقحاء (مشرف تربية فنية) من معظم المجسمات الجمالية الموجودة لدينا وقال :
حينما أزور منطقة بحرية يفترض أن أقابل مجسمات ترمز للبيئة، فأنا أتفهم وجود مجسمات القواقع والسفن في المناطق البحرية ولكن لا أستسيغها في المناطق الصحراوية وهكذا يجب أن ننطلق من بيئتنا، وعمارة (فرانك لويد رايت) مثال حي على ما أقصده، حيث تتعامل مع ثقافة المكان بمهارة، فمثلاً بيت الشلالات في ولاية بنسلفانيا الأمريكية والذي يظهر التداخل العميق بين العمارة والبيئة المحيطة، كذلك تصميم قاعة (twa) في مطار جون كنيدي، والتي صممها المعماري (ليل سيرانين)، حيث تظهر القاعة على شكل طائر..
وأضاف الشقحـاء: هذا ما نريده عند تصميم مجسماتنا نريدها ترمز للمكان باحترافية أما ثقافة المواعين التي لا تميز منطقة القصيم الزراعية عن منطقة الحدود الشمالية الصحراوية ولا تميز بين جازان والخرج فهي هدر لا داعي له، والفنانون التشكيليون يتشاكون من عدم العناية بمواهبهــم، فالفن في أوربا بــدأ من الفنانين والنحاتين ولم يبدأ من أمانات البلديات.