تلعب السياسة التعليمية في أي دولة دورا مهما في بنائها.. حيث يقاس تقدم هذه الدولة ورقيها بمدى اهتمامها بتطور السياسة التعليمية، فالأجيال المتعلمة وراء كل تقدم ورقي، وأبناؤنا هم الحاضر والمستقبل وعلى عقولهم وما يختزن بها من علم وأخلاق وقيم وانتماء وثقافة وتراث ترتقي الأمة ويبنى ويزدهر الوطن.. والمتأمل في تجارب الشعوب والحضارات يلحظ تلازم التعليم مع أي مسيرة حضارية وتنموية فهو حجر الأساس لنهضة الأمم وبناء الحضارات ورقي أي مجتمع. إن الثروة المادية وحدها لا تبني الحاضر ولا تصنع.....
..... المستقبل بل العقل البشري هو الثروة الحقيقية نحو تحقيق الأهداف التنموية والازدهار والتطور... إذاً لابد من رؤية مستقبلية لواقع التعليم هذه الرؤية تكون انطلاقتها من سبر الواقع في زمن معين ومحدد وبالتالي تصور للمستقبل في هذا الزمن المعين شريطة أن تراجع وتطور هذه الرؤية بشكل دوري وبكل دقة لا أن تبقى في أدراج مغلقة وتصبح في طي النسيان، فالهدف الأساسي لمراجعة وتطوير هذه الرؤية هو مسايرة واستجابة للتطورات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المتسارعة والتي يشهدها العالم.
ومما لاشك فيه بأن التعليم لن يكون له دور إيجابي وفعال في تنمية المجتمع وتطور الوطن والرقي بالمواطن معرفياً وثقافياً وسلوكياً ما لم يتم إعداد أهداف، ورسم خطط ومن ثم توفير مقومات النجاح وإمكانيات التنفيذ لهذه الخطط. إن المتأمل في حال تعليمنا يلحظ وبأنه بالرغم من كل الجهود التي تبذل من إمكانيات ووقت ومال إلا أنه لم يستطع أن يلبي الحاجة نحو تحسين مسار التعليم والتعلم الذي هو محك النجاح والتقدم.. وإلى فهم أعمق للمحتوى المعرفي المتوافق مع متطلبات العصر ومتغيراته.
لقد باتت ثقافة التلقين والحفظ والتذكر غير قادرة وحدها على مواجهة الاحتياجات المتجددة والمتزايدة لمجتمع متسارع النمو في ظل تسارع المعلومات وتزايدها وتنوعها، لذلك فإن السعي الحقيقي لتطوير التعليم وتحديثه ليواكب متغيرات العصر لابد له من محاور ارتكاز تستند على تطوير وتقييم مستمر.. من هذه المحاور النظم والطرق التعليمية، المناهج وإعداد المعلم القادر المتمكن ثم يأتي بعد ذلك الطالب والذي هو المحور الأساسي والأهم لبناء وتقدم المجتمع حاضراً ومستقبلاً.. ومما يحز في النفس أن نرى ناتج التعليم لدينا يشير إلى تدني التحصيل المعرفي، وضعف القدرات التحليلية والابتكارية ومهارات التفكير لدى الأبناء بل اطراد التدهور فيها مما أدى إلى قلة توظيف الفكر في عملية اكتساب المعرفة ومن ثم ضآلة المخرجات التعليمية الجديدة والمجودة.. لذلك فقد آن الأوان لإلغاء ما يسمى بآحادية المعرفة في المسيرة التعليمية، وأزف الوقت لتجديد وتطوير المسار التعليمي وتحويله من الدوران في مجال فلك الحدود التقليدية ونمطية المناهج العلمية وروتينية طرق التعليم إلى مجال فلك أكثر إضاءة وإشراقاً وتميزاً.. مجال متجدد الملامح والسمات يكون محوره بلورة واضحة في مسار التميز والإبداع، وإضفاء المرونة في النظام التعليمي وبالتالي فتح مسارات وآفاق رحبة للكثير من العلوم الأساسية والتطبيقية ومنها التأهيل لامتلاك لغة عالمية إلى جانب اللغة الأم، استخدام التقنيات الحديثة، تطبيق طرق القياس والتخمين والتقدير في أنظمة التعليم، التأهيل على عمل من الأعمال الحرفية، التركيز على التعلم الذاتي والاهتمام بالملكات الابتكارية، إعلاء قيمة الحوار الخلاق، الحد من الكثافة الطلابية في الفصول الدراسية، التركيز على مهارات الحياة المختلفة والتي تؤكد التنشئة السليمة، والمواطنة، والاعتدال، ونبذ العنف، والتسامح وثقافة الحوار والتعامل مع الآخرين، مراعاة الفروق الفردية وتنوع واختلاف القدرات والميول، تأكيد الحرص على تنمية الفهم الصحيح لتعاليم الإسلام السمحة وتعميق الانتماء الوطني، التأكيد على التوعية اللازمة التي تحمي من الانسياق الأعمى.. ثم ومن منطلق العلاقة التي تربط المعلم بالمشرف التربوي أو المعلمة بالمشرفة التربوية هذه العلاقة التي تتجسد من خلال العمل تحت مظلة واحدة هي مظلة التعليم لابد من الإشارة وبكل جدية إلى السعي لإحداث تطور شامل وجذري في دور وأساليب الإشرافالتوجيه التربوي تجاه المعلم والمعلمة هذا الدور الذي لا زال يعتمد على نمطية عقيمة.. نمطية تتخذ من أسلوب الأمر والنهي وربما التهديد عصاً لتنفيذ الأوامر والتعليمات الصادرة من المشرف أو المشرفة حتى وإن كان ذلك بعيداً كل البعد عن صالح الطالب أو الطالبة فمبدأ المرونة، والحوار الهادف البناء، والنقاش المبني على ما هو الأفضل وما هو الأجدى للطالب والطالبة بات ملغياً تماماً مع المعلم والمعلمة من قبل المشرفين والمشرفات وذلك من باب القول (أيها المعلم أيتها المعلمة نفذ فقط) فالتعنت والتشبث برأي غير صائب لن يخدم العملية التعليمية إطلاقاً. إذاً نحن بحاجة ماسة إلى نقلة جوهرية في نسيج العملية التعليمية.. نقلة تعتمد على التجديد والتجويد.. نقلة أصبح التنافس فيه قوياً في عصر المعرفة والعولمة.. نحن بحاجة إلى نظام تعليمي متجدد يستجيب لجميع احتياجات المجتمع التنموية والاجتماعية ومساير لكل ما يشهده العالم من تقدم متسارع في جميع المجالات.. وياحبذا لو كان لنا إطلاع على تجارب الدول المتقدمة في مجال التعليم للاستفادة منها وتطبيق ما هو متوافق وصالح لنا.
أخيراً أقول إن عملية تطوير التعليم لابد أن تكون عملية مستمرة وليس حدثاً مؤقتاً.. تطوير يمكن من بناء جيل مزود بالمعارف والمهارات، متبصر بكل جديد مجود وإيجابي في ظل ثورة تقنية ومعلوماتية غزت العالم وتفرض علينا الآن أن نغذ السير بفاعلية لنساير هذا الركب العالمي المتقدم تقنياً ومعرفياً ومعلوماتياً ولتكون أجيالنا عناصر منتجة وفعالة لتحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية والمعرفية للوطن وأبناء هذا الوطن الغالي.