يبدو أن الأحداث العربية، وأوضاع المناخ العالمي، أحبطت كثيراً في رغبة السفر لدى الكثير من الأسر، التي كانت تعد لسفرها قبل أن يبتدئ العام، وتغلق حقائبها قبل أن تبدأ الاختبارات، وترصد حساباتها منذ أول كل شهر، أو عند استلام أول صفقة بعد العودة من سفر العام الذي مضى..
ومهما قدمت السياحة الداخلية من برامج، ونوعت في أشكال الترفيه، وابتكرت من المغريات، فإن الشمس الحارقة، والأغبرة المرهقة، والتعود الممل، والصور اليومية المتكررة لا يقلل من رغبتهم في السفر, ولم يتوقف سيل الهدر خارج البلاد من أجل رؤية شاطئ، أو العبور بمدن باردة، أو التمتع بالتسوق الجاذب، أولئك الذين امتهنوا السفر، حطابة لهم في جنح الليل والنهار.. ثم هؤلاء لم يأتوا من أسفارهم وحطابتهم بثمين، لم نقرأ أخبار الرحلات، ولا معالم البلدان، ولم نتعرف أعلامها ولا حضارتها في أسفار يبدو لو طلب تدوينها سيبرع فيها المواطن السعودي والخليجي بأكثر مما يبرع فيها سواهم، لكثرة ما رسمت دعساتهم فوق شوارع أوروبا وأمريكا وغيرها.
لكن الكثير من المتغيرات أسمع أنها قد أثرت في رغبات الكثير، فقرروا البقاء، وآثروا تمضية الصيف في الوطن، ولعلهم يتمتعون بما تجهد وزارة السياحة ورجالها المجتهدون من أجل أن تحيل بين عيونهم اليباب لخضرة، والمنبسط لمرتفع، والحار لبارد، والجامد لسائل يتحرك بلمعة جدول، على زقزقة كناري من تلك التي تتنقل بين دوحات المدن التي يؤمونها صيفا وشتاء..
وقد تخيلت أن زحف المسافرين سيتجه لمكة والمدينة، من حيث إنهم في أشهر حرم، ويريدون تعويض السفر للخارج بعمرة هنيئة، أو صلاة خاشعة في أحد المسجدين، بما ينقل المدينتين المقدستين لشبيه موسم الحج.
لكن العبادة تتطلب التيسير للناس، والفسح في المكان، وطلاقة الوجه، والحب المتبادل الذي به يضع المرء حاجة غيره في ميزان حاجة نفسه، فلا تسابق ولا تناكب، ولا حرص على النفس دون الآخر..
ومكة والمدينة في مواسم الإجازات، تغدوان وجهة البوصلة، غير أن نظاما لابد أن يشرع، لا يضعه إلا المرء ذاته حين يكون له أن يقف موقف القادم للمسجدين للعبادة الخالصة، والتي لغيره حق التمتع بها تماما كما هو حقه.