تسارع البنوك المركزية إلى إنقاذ المصارف في حال تعرضها لهزات مالية حماية لها من الانهيار، تتجاوز خطط الإنقاذ الحكومية البنوك، لتصل إلى المودعين والاقتصاد بشكل عام، فتعثُّر البنوك وإفلاسها يؤدي إلى ضياع أموال المودعين، خسارة المساهمين، وتأثر القطاع المالي الذي قد تتساقط مكوناته كتساقط أحجار الدومينو. تعمل البنوك المركزية على حفظ استقرار القطاع المالي، وحمايته من الأخطار المفاجئة، ولكن من يحمي المقترضين في حال تعثرهم؟.
تحدثت الأسبوع الماضي عن سماسرة سداد الديون المتعثرة، ونجاحهم في إنشاء (سوق موازية) للإقراض المخالف للأنظمة والقوانين، الحاجة الملحة دفعت المتعثرين لمعالجة أوضاعهم المالية بديون متراكمة، مرتفعة التكاليف. الأزمات الخانقة تؤدي إلى اتخاذ قرارات خاطئة، ومؤلمة في كثير من الأحيان.
لأكثر من ثلاثة أعوام يتحدث الجميع عن خطر سماسرة الديون، على المجتمع، والقطاع المالي، سلبية الإجراءات الرسمية تجاه المخالفين ساعدت في استمرار الظاهرة وتفشيها، عدم قدرة الجهات المسؤولة على مواجهة صُنَّاع (سوق التمويل الموازية) لا يعني فقدانها الحلول البديلة، فهي قادرة على قطع الطريق عليهم بمعالجة أوضاع المتعثرين.
معالجة أوضاع المتعثرين يمكن تحقيقها من خلال البنوك المُقرِضة، إما عن طريق إعادة الجدولة من قبل البنك المُقرِض، وهو الأهم في هذه الحالة، أو من خلال ترتيب قرض بديل من البنوك النشطة في شراء المديونيات. قد يتساءل البعض عن الفرق بين سداد المديونية من قبل البنوك، وسدادها عن طريق سماسرة الديون!. الفرق كبير ولا شك، فسماسرة الديون يتقاضون 40 في المائة كأرباح صافية من قروض التمويل المؤقتة التي تُسدد لهم في مدة زمنية قصيرة لا تتجاوز ثلاثة أيام عمل، إضافة إلى ما يدفعه المُقترِض للبنك وهو في حدود 3 في المائة، أما شراء المديونية من قبل البنوك فيعني تحمل العميل 3 في المائة فقط، وهي كُلفة التمويل الحقيقية. رفض البنوك لطلبات التمويل بسبب التعثر هو الدافع الحقيقي للاستفادة من خدمات السماسرة، فإذا ما تفهمت البنوك هذه الوضعية الحرجة وبدأت في تطبيق روح النظام لا نصه، فيمكنها أن تقضي بسهولة على سوق التمويل البديلة، وتساعد في حماية المتعثرين من الاستغلال المزدوج. إصدار تشريعات خاصة من قبل مؤسسة النقد لتنظيم عملية إعادة جدولة ديون المتعثرين، القادرين على السداد، سيساعد في تنظيم عمليات الإقراض، وتوفيرها للمحتاجين.
إنشاء «صندوق لإعادة تمويل المتعثرين» قد يكون أحد الحلول المهمة لمعالجة المشكلة، فالمتعثرون هم من (الغارمين) المُستحقين للزكاة شرعاً، قال تعالى: «إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ». يمكن تمويل الصندوق من جهات مختلفة، البنوك نفسها، المُتسببة في إغراق المجتمع بالديون الاستهلاكية، مصلحة الزكاة والدخل، والحكومة. قد يكون المُقترض سبباً في حالة التعثر التي وصل إليها، إلا أن تعثره يجب ألا يحرمه من الحصول على المساعدة التي يمكن من خلالها ترتيب وضعه المالي بعيداً عن استغلال سماسرة الديون، خصوصاً مع وجود مصدر السداد المضمون الذي لا يحتاج إلا إلى قليل من التنظيم المالي لمساعدته على تجاوز محنته. سجل المتعثرين، على رغم أهميته وعدالته، يجب ألا يتسبب في حرمان المتعثر من جدولة دينه ليتوافق مع مقدرته والتزاماته المالية، وهو أمر يجب على الجهات الإشرافية والبنوك تحقيقه إذا ما أرادوا حماية المجتمع من استغلال سماسرة سداد الديون المتعثرة، والقضاء على (سوق التمويل البديلة).
f.albuainain@hotmail.com