بعد التغيير لا بد من البدء في تنفيذ التحول الذي من أجله حصل التغيير، وطبعاً الهدم يتبعه البناء. وهكذا، فما يسمونه بالربيع العربي الذي شهدته بعض البلدان العربية، لا بد أن يتبعه الانشغال بالبناء لإصلاح ما خُرِّب في «فصل الربيع» وما قبله.
وبما أن المنطقة العربية تهم العالم أجمع، كون الاقتصاد أصبح مرتبطاً بصورة أو بأخرى فيما يجري في ربوع هذه المنطقة التي تحوي في باطنها ما يحرك هذا الاقتصاد من وقود لم يعد أحد يستغني عنها. ولهذا فقد اتجهت فرق البحث والمختصين لدراسة الوضع وأحوال المنطقة، وبخاصة الدول التي عاشت «الربيع العربي» في البداية، اهتمت الدراسات بالأسباب التي دفعت الجماهير العربية إلى نزع الخوف ومواجهة الأنظمة المستبدة، وانتهت الدراسة إلى أن أسباب اندلاع الاحتجاجات هو انخفاض مستوى المعيشة وتفشي البطالة، وبخاصة في أوساط الشباب الذين كانوا هم المحرك ووقود الربيع العربي. وقد وجدت الدراسة التي أجريت في إحدى البلدان العربية لمعرفة إلى ما ستؤول إليه الأوضاع، أن 64 بالمائة من الذين استفتوا عن ذلك رأوا أن تردي المستوى المعيشي وتفشي البطالة كانا من أهم أسباب اندلاع الاحتجاجات ونجاح تغيير النظام، فيما عزا 19 بالمائة إلى غياب الديمقراطية وانتشار الفساد.
نتائج هذه الدراسة وغيرها مما أُجري في دول عربية أخرى تجد أن مواجهة البطالة وخلق فرص عمل للشباب الذين يشكِّلون الأغلبية في المجتمعات العربية، وتحسين الأوضاع المعيشية، والقضاء على الفساد، واحترام حرية وكرامة الإنسان العربي، هو الهدف القادم الذي يجب أن تأخذه الحكومات في الاعتبار وتعمل به، تحصيناً لبلدانها من الاضطرابات والأزمات التي حتى وإن اندلعت لإحداث تغيير إيجابي، لا يمكن أن يتحقق ذلك إلا بعد أن تدفع المجتمعات ثمناً، وثمناً باهظاً، كالذي شاهدناه يحصل في بعض البلدان العربية التي لا تزال تعمل للعودة إلى الحياة الطبيعية، بعد أن يتم بناء ما تم تخريبه قبل الربيع وأثنائه.