يتعمّد كثيرٌ من الناس هضم حقوق المرأة المطلقة، ولا ينحصر ارتكاب هذا الجرم في جُهّال المجتمع أو في شريحة من الذين ليس لديهم علم شرعي أو ثقافة دينية شرعية، بل يتعدى إلى أنه يقع من بعض ممن ينتسبون إلى العلم وأهله وممن تبدو عليهم سمة الخير والاستقامة، وهذا لعمر الله مصيبة عظمى وكارثة كبرى.
إن المرأة المطلقة هي إنسانة تزوَّجت تبتغي السعادة وتطلبها كغيرها من النساء وترغب في تكوين أسرة لها كيانها واستقرارها الاجتماعي، ولما كتب الله لها عدم الاستمرار في حياتها الزوجية فإنها تتغيّر حالتها الاجتماعية من متزوّجة إلى مطلقة، والطلاق ليس بعيب أو نقص ترمى به المرأة، فالطلاق مشروع في الإسلام وقد يكون للمطلقة الخير والتوفيق بعد وقوع الطلاق ويكون حالها بعد الطلاق أفضل من ذي قبل.
إن للمرأة حقوقاً قبل إيقاع الطلاق من الزوج وحقوقاً بعد وقوعه، وأذكر للقارئ الكريم بعضاً من تلك الحقوق:
أولاً: حقوق المرأة قبل الطلاق:
إن الرجل عندما ينوي الطلاق ينبغي له أن يتذكَّر أن الطلاق غير مرغوب فيه في الإسلام، وعليه أن يتريث ويفكر كثيراً في مصير المرأة بعد الطلاق ومصير الأطفال الأبرياء، ولا يطلق لنفسه العنان ويستجيب لنفسه إذا دعته أو سوَّل له الشيطان أن يطلق زوجته وعليه أن يتذكَّر المحاسن التي عند زوجته فقد تطغى محاسنها على المساوئ التي لديها كما قال الشاعر:
وإذا الحبيب أتى بعيبٍ واحدٍ
جاءت محاسنه بألف شفيع
وينبغي عليه أيضاً أن يتذكَّر أن له كذلك الكثير من العيوب التي قد تفوق عيوب امرأته، ويعلم أن تلك المرأة بشر والخطأ والتقصير وارد وواقع في حياة البشر لا محالة.
ومن حقوق المرأة على الرجل أن يعطيها فرصة لتعديل الخطأ الواقع والنقص الحاصل وأن يسدي لها النصح والتوجيه، وأن يناقشها في الجوانب التي دعته للتفكير في طلاقها.
ومن حقوق المرأة أن يصبر الرجل عليها ويحتسب في ذلك الأجر والثواب من الله، والصبر باب من أبواب الخير كما قال تعالى {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}، وفي واقع الحياة يتبيَّن أن كثيراً من النساء مع صبر أزواجهن عليهن تحسنت أحوالهن كثيراً.
ومن حقوق المرأة على الرجل أن يطلقها الطلاق الشرعي وألا يلجأ إلى الطلاق البدعي، بحيث لا يوقع الطلاق بالثلاث في مجلس واحد أو يطلقها وهي حائض أو في طهر جامعها فيه.
ومن حقوق المرأة قبل الطلاق: أن يراعي الرجل الجوانب النفسية لها، وعليه أن يمهّد للأمر وأن يتخيَّر الأسلوب الأمثل والطريقة الحسنة التي يستخدمها إذا أراد إيقاع الطلاق، والمرأة ضعيفة لا تملك حولاً ولا قوة ولا تتحمَّل قوة الصدمات لذا ينبغي للمطلق أن يرأف بحالها.
ومن حقوق المرأة أن يكون تسريحها بإحسان كما قال الله تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}.
ثانياً: حقوق المرأة بعد الطلاق:
أن تبقى الزوجة المطلقة في بيتها حتى تنقضي عدتها الشرعية، والمطلقة عدتها ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر إن لم تحض، ولا يحق للزوج إخراجها وذلك لقوله تعالى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ}، وفي أثناء بقائها يجب على الزوج أن ينفق عليها في أثناء العدة الشرعية.
إن الملاحظ على كثير من الأزواج أنه يطالب مطلقته بالخروج من المنزل فور وقوع الطلاق، وكذلك نلاحظ أن بعض النساء يخرجن من بيوتهن مباشرة إذا طلقها زوجها، وهذا خلاف لأمر الشرع، ومن الأمور التي يتناساها أو يتجاهلها بعض الرجال - هداهم الله- الإنفاق على الزوجة في فترة العدة الشرعية، وهذا خلاف الواجب على الأزواج، ومن حقوق المرأة بعد الطلاق وخروجها من العدة استخراج الزوج صك الطلاق من المحكمة الشرعية وإشعار ولي الزوجة بضرورة مراجعته للمحكمة لاستلام صك الطلاق، وللأسف الشديد أننا نلاحظ أن كثيراً من الأزواج يماطل في استخراج صك الطلاق ويتعمّد التأخير بدون مبرر، ولا شك أن تلك المماطلة وذلك التأخير يترتب عليه أضرار جسيمة على المرأة، لذا ينبغي على الرجل الذي طلق زوجته وانتهت عدتها أن يتقي الله ويبادر في استخراج صك الطلاق الخاص بالمرأة، وقد تأكد لي أن كثيراً من الأزواج - هداهم الله- أنهم يطلقون نساءهم بورقة غير رسمية أو بلفظ شفهي وإذا طلب منه أن يستخرج صكاً رسمياً يماطل مدة طويلة من الزمن فتتضرَّر المرأة المطلقة كثيراً منه هذا التأخر.
ومن حقوق المرأة بعد الطلاق ألا يحرمها من أطفالها وصغارها، وأن يدع لها الفرصة في تقديم العطف والحنان لأبنائها، وألا يهدّدها بسحب الأطفال إذا هي طالبت بنفقة الأطفال وكسوتهم، وعليه أيضاً أن يقدّم للزوجة نفقة مناسبة حتى ولو أنها قد بانت منه إذا كان مستطيعاً ومقتدراً مادياً وإذا كانت محتاجة للمال.
ومن حقوقها السماح لأبنائها بزيارتها إذا كان في حضانة والدهم وذلك بحسب المتعارف عليه في المجتمع.
ومن حقوق المرأة بعد الطلاق أن يحفظ الرجل أسرارها وألا يتحدث عنها بما يكدر خاطرها، وكذلك على المرأة أن تحفظ أسرار الرجل وألا تتحدث عنه في المجالس بما يكرهه. ومن حقوق المرأة بعد الطلاق إرشادها من قِبل القائمين على المحاكم والذين يتولون تسليم وثائق الطلاق بأحقيتها التقديم على الضمان الاجتماعي، حيث إن بعض المطلقات لا يعرفن عن الضمان الاجتماعي أي شيء، لذا ينبغي على القائمين على المحاكم طباعة إرشادات للمطلقات. ومن حقوق المطلقات أن يقوم وليُّها الشرعي بالمراجعة نيابة عنها في الدوائر الحكومية والشرعية وذلك لإنجاز معاملتها التي لا تتطلب حضورها شخصياً، وإذا استدعى الأمر حضورها فينبغي لوليِّها أو أشقائها أن يوصلوها للدوائر ذات العلاقة، وللأسف الشديد أن بعض أولياء المطلقات لا يسعون في قضاء حوائجهن ومتطلباتهن وهذا التصرف لا ينبغي أن يكون من الأولياء.
ومن الأمور التي أتمنى أن تكون موجودة في أرض الواقع إقامة جمعية خاصة بقضاء حوائج المطلقات وتقديم الإرشاد والتوجيه لهن، وكذلك التنسيق مع الجهات الشرعية والحكومية لتسهيل الإجراءات والإسراع في إنجازها، وأتمنى أن تكون هذه الجمعية مدعومة من المقام السامي الذي تعوّدنا منه المواقف المشرّفة في هذا الجانب.
وإن على الجانب الإعلامي بكافة أقسامه مسؤولية كبيرة في إيصال معاناة المطلقات واحتياجاتهن إلى ولاة الأمر والمسؤولين في هذه الدولة المباركة، لذا نأمل من كافة الإعلاميين القيام بدورهم بالشكل المطلوب، وإن ولاة الأمر - حفظهم الله- يتفانون في تقديم المساعدات والمعونات لكافة أفراد المجتمع، ونسأل الله أن يجزيهم خير الجزاء.
saad_moyn@hotmail.com