يمكن اعتبار حوادث الحرائق حوادث نادرة الوقوع على المستوى الفردي، إنما على المستوى الوطني، فإنها تعتبر متكررة وتقع بشكل شبه منتظم، سواء من ناحية عدد مرات وقوعها أو حجم الخسائر البشرية والمادية الناجمة عنها. إن الإحصائيات الرسميّة لحوادث الحريق الصادرة عن المديرية العامة للدفاع المدني تبيِّن أن هذه الحوادث تقع بمعدَّل يزيد عن 27 ألف حادث كل عام، مسببة قتل ما لا يقل عن 150 شخصاً، وإصابة أكثر من 850 آخرين، يضاف إلى ذلك، الخسائر المادية (المباشرة) الناجمة عنها بمتوسط سنوي يبلغ 100 مليون ريال (الخسائر غير المباشرة هي التي لا تندرج ضمن الإحصائيات، كتكلفة إقامة العائلة خارج منزلها المحترق إلى حين الانتهاء من ترميمه). هذه الإحصائيات تكررت وبانتظام في كل الأعوام الخمس الماضية دون استثناء! وعليه فمن المتوقع أن لا تشذ إحصائية هذا العام 1432هـ عن سابقاتها. وللقارئ الكريم بعد أن يمعن النظر في هذه الإحصائيات، أن يتساءل عن إمكانية تقليصها مستقبلاً.
لقد أظهرت الإحصائيات أن النسبة العالية من حوادث الحرائق التي تقع في المملكة تحدث في المباني السكنية تحديداً، وفي الوقت نفسه يستأثر هذا النوع من المباني بأكثر من نصف عدد الخسائر البشرية لوحده ليسجِّل حوالي 600 وفاة وإصابة سنوياً، وعليه فإنه يمكن القول أن حوادث الحريق في المباني السكنية هي الأخطر قياساً ببقية الحوادث في المنشآت الأخرى. إن معرفة الأسباب التي أدت إلى وقوع هذا العدد الكبير من الحوادث في المباني السكنية، وتحليل ما نجم عنها من خسائر مؤسفة في الأرواح وباهظة في الممتلكات لهو السبيل العلمي الصحيح -بعد توفيق الله عزَّ وجلَّ- لتلافي وقوعها مستقبلاً، أو على أقل تقدير، تقليص عددها وآثارها المدمِّرة من عام لآخر.
وبالرجوع إلى أسباب حوادث الحريق في المباني السكنية، والتي تم تصنيفها حسب إحصائيات الدفاع المدني، إلى 13 صنف، نجد أن «الالتماس الكهربائي» استأثر بنسبة عالية جداً بلغت 50% من مجمل عدد الحوادث، بينما حلَّ ثانياً «عبث الأطفال» بنسبة 25% تقريباً، وتوزَّعت النسبة المتبقِّية على الأسباب الأحد عشر الأخرى. هذه النتيجة التي تبرزها الإحصائيات تشكِّل ميداناً فسيحاً وحقلاً غنياً للجامعات السعودية ومراكز الأبحاث المتخصصة لتركيز دراساتها وأبحاثها، سواءً الإنساني منها أو العلمي. على هذا الجانب الحيوي الذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بحياة المواطن السعودي وسلامته. في مقابل ذلك، تأتي أهمية دور الإحصائيات التي تصدرها المديرية العامة للدفاع المدني لتستجيب لمتطلبات الباحث وتتفاعل مع احتياجاته، وليس العكس. وهذا ما سيسهم في تطوير هذه الإحصائيات لتكون أكثر دقَّة وشمولية وعمقاً، وصولاً إلى نتائج وتوصيات فعَّالة في تطوير المعايير السعودية لسلامة المباني، ومن ثمّ المساهمة، بإذن الله في تقليص الخسائر البشرية والمادية جرَّاء هذا النوع من الحوادث.
بشكل عام يمكن افتراض أن «الالتماس الكهربائي» ناجم عن سوء الاستخدام للتجهيزات الكهربائية، وهذا السبب، إضافة إلى «عبث الأطفال»، يقعان ضمن نطاق مسؤولية الوالدين داخل المنزل، غير أن الدراسات العلمية المتخصصة المبنيَّة على إحصائيات مفصَّلة ودقيقة، قد تكشف عن ضلوع العمالة غير المدرَّبة في هذه المشكلة، وأيضاً عن دور للأجهزة والأدوات الكهربائية منخفضة الجودة المتوفَّرة في الأسواق، وهذا ما سيدفع بالجهات المعنيَّة لاستشعار خطر تغاضيها عن تشغيل عامل كهربائي غير مؤهل، أو السماح بدخول جهاز كهربائي لا تنطبق بحقه الحدود الدنيا من المواصفات. وإلى أن يتم تحقيق ذلك، فإن إحصائيات المديرية العامة للدفاع المدني ستواصل إبرازها لهذه الأرقام المفجعة في كل عام.
المديرية العامة للدفاع المدني
a_muslh@hotmail.com