أزمة اليمن الراهنة تعيد لنا فصول وأحداث لبنان (مطلع الثمانينات الميلادي)، وكيف نجح فيما يعرف (باتفاقية الطائف) على جمع الفصائل العسكرية المتناحرة، والأحزاب السياسية المتنافرة التي قادت (لبنان) حينذاك إلى حرب أهلية تحت غطاء المذهبية المقيتة، والتيارات السياسية المتطرفة.
من المؤكد أن ظروف تلك المرحلة تختلف اختلافاً كبيراً عمَّا يمر به العالم بشكل عام، والشرق الأوسط بشكل خاص،
ما بين تلك المرحلة وحاضرنا المعاصر الملتهب اختلافاً جذرياً، حيث قامت تحالفات جديدة، وتقطعت أوصال كيانات سياسية واقتصادية عملاقة قادت العالم بعد (الحرب العالمية الثانية)، وكان لها دور مؤثر في صناعة القرار الإقليمي، والدولي، ناهيك عن أن بعض الأنظمة الحاكمة في بعض الدول العربية فتيّة لم تنكشف أوراقها أمام الشعوب، ولم تكن هناك وسائل إعلامية قادرة على تعرية جذورها واتجاهاتها. إذن وجه المقارنة بين (أزمة اليمن)، و(أزمة لبنان) حينذاك وعوامل نجاح الوساطة فيها قد لا تبدو ممكنة، أو مناسبة إلا من واقع الآثار السلبية التي خلفته، أو ما ستخلفه تلك الحروب وهذه الصراعات أيّاً كان مبعثها وهدفها.
أزمة (اليمن) امتحان حقيقي آخر للمبادرات العربية أيّاً كان مستواها، امتحان حقيقي أمام العالم عن مدى وعي القيادات الحزبية السياسية من جهة، والشعوب العربية التي تتطلع إلى مستقبل واعد من جهة أخرى.
من خلال نتائج المبادرة الخليجية سيتضح من الذي يقود حقيقة مرحلة التغيير، أو حركات الإصلاح، إن صحت التسمية، وصدقت النوايا. هل الذي يتزعم هذه الثورات هم قادة الأحزاب حقيقة، مدفوعين بعامل الوطنية؟ وهل هم الذين يمسكون بزمام الأمور حاضراً، وسيقودونها مستقبلاً إلى بر الأمان؟ أم أن هناك قوى خفية لا تعلمها الجماهير؟ أما هؤلاء فهم أدعياء قفز بهم الحظ في هذه المرحلة إلى منصات الإعلام بوسائله المتعددة، وكسب الرعاع؟
في حال أخفقت تلك الجهود ولم تستثمر، أو لم تكن بمستوى تطلعات أصحاب المبادرة، وأصبحت الشعوب هي التي تملك زمام المبادرة، واستمرت في قيادة الأحداث، ومعركة التغيير على هذا النحو من الفوضوية فإن ذلك من وجهة نظري يعد تطوراً خطيراً في هذه المرحلة، فالشعوب أيّاً كانت مطالبها، والعربية على وجه الخصوص قد تقود إلى فوضى غير خلاّقة، فالسلطة المطلقة، والحراك القائم على العنف لا يقود إلى الاستقرار، أو التغيير الإيجابي الذي يتطلع إليه العالم، بل إن من شأن ذلك أن يضع العالم العربي برمته في أدنى المراتب، ويحول دون المد الحضاري والثقافي للعالم العربي والإسلامي الذي كان ولا يزال منار هدى وإشعاعاً وهاجاً للحضارات الأخرى. ننتظر في الغد، وإن غداً لناظره قريب.
dr_alawees@hotmail.com