مشاهداتك هذه الأيام على أرصفة المدن وقرب أماكن توزيع الصدقات، وأبواب أهل الإحسان لا تخطئ الحدس بأن ثمة مشكلة ما طرفها الفقر والفقراء، كما أنها لا تخلو من تداخلات عجيبة، خُلطت فيها حاجات المحتاجين بطلبات المدعين، فباتت حالة تحتاج إلى استقصاء وبحث عميق لا سيما مع تكاثرهم في المدن وحولها.
فهؤلاء الذين لا نجد غضاضة بأن نسمهم بـ»فقراء المدن» نراهم وقد أطلوا مع موجات هجرة أهل البادية والريف نحو الهجر والحواضر، فيما بدا آنذاك أنها بغية التخلص من البداوة وحياة الرعي، وبدوافع أخرى كاستلهام فكرة التوطين، أو رغبة التغيير وطلب اليد العاملة إبان ثورة النفط في بلادنا على وجه الخصوص.
فهي نقطة التحول الرئيسية في بناء حالة التمدن التي أفرزت بعض النتائج العكسية، منها على سبيل المثال ظهور هذا الفقر المراوغ، إضافة إلى البطالة والتخلي عن قيم الريف والبداوة من أجل البحث عن اللقمة، أو رغبة في الحصول على المال.
ومع تنامي فكرة الفقر المحتملة وتكاثر الفقراء في المدن إلا أننا قل ما نجد أنها تناقش، أو تطرح، إذ إن هذه الفئة من المحتاجين، أو مدعيي الحاجة غالبا ما توجه إليهم أسئلة الحدس، أو التخمين حول مقاصدهم، لأنه يصعب التعرف على تفاصيل رحلتهم مع الفقر والعوز والحاجة.
الفقراء في المدن فئة محيرة للباحث، أو من يريد تقديم يد العون لمن هو محتاج بالفعل، إذ يجد البعض صعوبة في التسليم بأمر حاجتهم وإصرارهم على البقاء في هذه المدن الكبرى رغم حجم معاناة أهل المدن فيها، على نحو ارتفاع تكاليف المعيشة وتتلاشى مقومات التكافل.
يندر في الراهن المنظور أن تحصل على أي نتائج يمكن أن توجد المبرر المناسب، والسبب المقنع لنزوح هؤلاء الذين أصبح البعض منهم في خانة الفقراء أو أدعياء الحاجة ليكونوا بالفعل عبئا على المجتمع ومقدرات الخير وفاعليه.
كما أن ما يلحظ على هذه الفئة من «فقراء المدن» إذا ما سلمنا بهذا التصنيف أنهم ينقسمون في حالتهم المأساوية إلى من هو صادق ويعاني بالفعل من قسوة الحياة وشظفها، وآخر يرتدي قناع الحاجة، ويتظاهر بالعوز، وهؤلاء لا تخطئهم العين المجردة للباحث أو المتابع، إذ يرى أنهم يتعمدون المجيء إلى المدن بنوايا البحث عن مال، أو تطوير مصدر الرزق، إلا أن الأخطر في هذه الممارسة أن تذهب أمور التكسب إلى ما هو غير مشروع على نحو التسول، أو التجول على الأرصفة بأي بضاعة.
hrbda2000@hotmail.com