يُشير بعض كتاب الرأي في صحافتنا المحلية إلى أننا أضعنا عشرات السنين من عمر مجتمعنا السعودي ونحن نلوك في قضية (قيادة المرأة للسيارة) وهذه السنين مرشحة للزيادة من رصيد مستقبل هذا المجتمع، ما لم تُحسم هذه القضية بشكل نهائي...
.....يجعلنا نتحول إلى قضايا أخرى تهمنا، كونها أكثر قضايانا الاجتماعية جدلاً وعمراً. ومرد ذلك إلى أن كل الكتابات والنقاشات والتعليقات في هذه القضية الجدلية لم تكن في مسارات واضحة من الحوار الفكري على مستوى النخب الاجتماعية من كتاب رأي وأسائذة وطلبة علم شرعي وغيرهم، لسبب رئيس.. وهو أنه لم يتـــم تحديد طبيـــعة قضية قيادة المرأة للسيارة بشكل حاسم.. هل هي (دينية) بحيث لابد أن تحكمها الفتوى الشرعية؟ خصوصاً أن هناك فتاوى متباينة بين عدم الجواز وربما التحريم وبين الإباحة المشروطة بموافقة نظام الدولة، أم هي (سياسية) محكومة بالقرار الرسمي الذي يسمح أو يمنع وفق اعتبارات نظامية مهمة هو يراها ويوازن فيها بين المصالح والمفاسد، ولعل أبرزها الاعتبار الأمني والمستويات الأخلاقية لدينا؟ أم هي (اجتماعية) صرفة متروكة لموقف المجتمع وتأثير التحولات الحضارية التي يمر بها؟ أم هي (اقتصادية) مرتبطة بأزمة النقل العام التي أسهمت في تفاقم مشكلة الازدحام المروري؟. إذاً تحديد اتجاه البوصلة يمكن أن يُسهم في الوصول إلى فيصل الخلاف ومن ثم الحسم الإيجابي، والواضح أنها قضية مركبة ومتداخلة من مستويات تختلف من حيث السيادة والأهمية والتأثير، أعلاها القرار الســـياسي والرأي الدينــي، وأدناها الموقف الاجتماعي والبعد الاقتــصادي، بمعنى أن الأهمية الاقتصادية لهذه القضية ليست مؤثرة بالقدر الذي تعزز موقف الرافضين أو تؤكد موقف المؤيدين، خصوصاً في ظل فقرنا لإحصائيات وأرقام اقتصادية صحيحة من أرض الواقع، كما أن الموقف الاجتماعي ليس مقياساً للرفض أو التأييد بسبب هشاشته وعدم تماسكه في قضايا اجتماعية سابقة كتعليم البنات والأطباق اللاقطة (الدشوش).
إذاً فيصل القضية محصور في المستوى الأول بين الفقهي (الرأي الديني) والرسمي (القرار السياسي)، وهنا يمكن ملاحظة اتجاه البوصلة في نهاية الأمر. فالموقف الرسمي كان واضحاً ومحدداً بمنع قيادة المرأة للسيارة منذ إثارة هذه القضية قبل عشرين عاماً بالمظاهرة الشهيرة ولم يتغير، إنما الذي بدأ يتغير هو الموقف الفقهي أو بالأصح يتعدد الرؤى، وبهذا لم تعد بوصلة القضية باتجاه الرفض، إنما تعرضت لمجال مغناطيسي من الآراء الفقهية الأخرى، التي لا ترى مانعاً شرعياً أو حراماً في قيادة المرأة للسيارة لأنها في إطار القضايا الدينية الخلافية، وأن القضية محكومة بقرار الدولة الرسمي الذي لا يجوز مخالفته. وبحال سُمــح للمرأة بقــيادة السيارة، لم يبق للرافضين إلا المطالبة بأن تكون هناك قوانين محددة وعقوبات صارمة لمن يستغل هذه القضية للإساءة للأعراض أو العبث بالأمن.
kanaan999@hotmail.com