خلال صيف العام الماضي, كتبت مقالاً بعنوان: (جامع الفاروق مثال يحتذى به), بمناسبة قيام جامع الفاروق بحي العريجاء بالرياض بوضع جدار زجاجي متحرك يسمح بعزل الصفوف الأمامية عن الصفوف الأخرى من المسجد, وقد أدى ذلك إلى الاكتفاء بتشغيل (8) مكيفات فقط بدلاً من (27) مكيفا لكافة أيام الأسبوع ما عدا في صلاة يوم الجمعة, حيث يتم فتح الجدار الزجاجي وتشغيل كافة المكيفات نظراً لامتلاء المسجد بالمصلين في صلاة الجمعة, وقد أشرت إلى أن هذا الترشيد قد أدى إلى تحقيق وفر مقداره أكثر من 68% من الطاقة الكهربائية.
لقد أثنيت في ذلك المقال على تجربة جامع الفاروق, وطلبت بأن تحتذى به كافة المساجد الكبيرة, كما طالبت أن يتم تشكيل لجنة من وزارة الشؤون الإسلامية ووزارة الكهرباء والمياه تقوم بمسح كافة المساجد الكبيرة في كافة المناطق ومن ثم تطبيق تجربة الجدار الزجاجي المتحرك في كافة فروض الصلاة (باستثناء صلاة الجمعة), إلا أنه لم يحدث شيء من ذلك, نعم لم يحدث شيء من ذلك لأن هذا هو واقعنا, وهذا هو نمط تعامل غالبية أجهزتنا الحكومية السلبي مع مثل تلك القضايا الجوهرية, ألهذه الدرجة تصل اللامبالاة؟ ألهذه الدرجة يصل الهدر؟ ألهذه الدرجة لا نبالي بالمال العام للدولة؟
إذا كانت وزارة المياه والكهرباء تعاني خلال فترة الصيف من عدم كفاية أحمال الكهرباء, فكيف تتغاضى عن هدر الكهرباء غير المبرر في المساجد. وإذا كان معالي وزير الكهرباء والمياه قد صرح بأن نسبة الهدر الكهربائي في جوامع المملكة يصل إلى نحو 70% فكيف لا تتفاعل الوزارة مع هذا الاقتراح بتشكيل لجنة مع وزارة الشؤون الإسلامية والعمل على إلزام كافة المساجد والجوامع الكبيرة بوضع الجدار الزجاجي المتحرك.
وإذا كانت وزارة الشؤون الإسلامية تدرك ضخامة الفاتورة التي تدفعها الوزارة لشركة الكهرباء عن ذلك الهدر الكهربائي في غالبية المساجد لدينا, والبالغ عددها أكثر من عشرين ألف مسجد, أليس من المفترض على الوزارة أنها سارعت إلى بناء هذا الجدار الزجاجي المتحرك في معظم المساجد, هل يعلم الإخوة أن بناء مثل هذا الجدار سيحد من هدر الأموال العامة للدولة والتي تضيع شهرياً لقاء طاقة كهربائية مهدرة في المساجد.
وبدلاً من تحرك الوزارتين (الكهرباء والشؤون الإسلامية) إلى القيام بعمل مؤسسي منذ العام الماضي لاحتواء المشكلة بشكل جذري, وبدلاً من تحرك الوزارتين لبناء مثل هذا الجدار الزجاجي في كافة مساجد المملكة التي تحتاج ذلك, تفاجئنا بإعلان نُشر في الصحف الأسبوع الماضي يشير إلى أن أحد مساجد الرياض (مسجد الجماز) قد قام بتركيب الجدار الزجاجي المتحرك بهدف توفير 70% من الطاقة الكهربائية المهدرة. وأجزم بأن من قام بتركيب هذا الجدار هم أهل الخير الذين قاموا ببناء المسجد لأنهم هم الذين سيدفعون فواتير الكهرباء. أما بقية الآلاف من المساجد التي تقع تحت مظلة وزارة الشؤون الإسلامية, فلم يحرك أحد ساكناً لأن الدولة هي التي ستتحمل فواتير الكهرباء. فهل يعقل ذلك؟
إنني والله أترحم على المال العام, فهل يعقل أن تصل درجة الهدر واللامبالاة بالمال العام إلى هذه الدرجة.
dralsaleh@yahoo.com