من خلال حياتي العملية والوظيفية تعايشت مع مديرين وسمعت عن آخرين تحدث عنهم زملاء وأصدقاء، منهم مَنْ إذا وردت أسماؤهم إلى المسامع أقف ويقف من يعرفهم احتراماً لهم وتقديراً حتى وإن كانوا غائبين ولا يعلمون بهذا التقدير ولم يطلبوه ولم يفكروا به، لأن من سجية النبلاء والكرام أن لا يطلبوا مقابلاً من التبجيل لما يبذلونه من طيب المعشر وحسن التعامل مع الناس، ولا سيما مرؤوسيهم في دوائر العمل، بل إن منهم من سيغضب لو جازفت وأوردت اسمه على سبيل المثال، ومن هؤلاء القامات من لهم أعمال جليلة وأفعال خير حميدة لو أُورد لكم أمثلة منها فإني أجزم، بل أكاد أقسم بأن أكثركم ستدمع عيناه إجلالاً وإكباراً لحسن صنيعهم مع زملاء العمل والمحيطين بهم، لم تمنعهم المناصب وهموم الأعمال من سلوك دروب الخير والإحسان والإيثار، وإن لم ينسوا نصيبهم من الدنيا، وفي المقابل هناك مديرون كانوا عبئاً وحِملاً ثقيلاً على مؤسساتهم وعلى موظفيها، واستغرب كيف استطاعت أنفسهم حملهم وعذرها أنها هي السبب في انتفاخهم الكاذب، وامتدادهم الصاخب على مساحة الإدارة، وهيمنتهم الزائفة بهرجة ودعاية لأنفسهم بين موظفين.. إما خبثاء مستثمرين لهذا الزيف وهذه الأراجيف الإدارية، أو سذج يصدعون بما يؤمرون وإن في خارج إطار القوانين والأنظمة، أو مستنيرين عقلاء أدركوا أن لا فائدة من الضجيج وأن الخسارة في المواقف مرهونة بعدم ارعواء (المزعومين مديرين) من ارتكاب أي حماقة وتدبيج أي تقرير كاذب وتحرير أي محضر ممهور بتوقيع ذاك الشاهد المنتفع أو صاحبه المتسلق، صور لمديرين جنّدوا أعمال الإدارة لمصالحهم الشخصية لا يرد أحدهم على أي مكالمة أو يقرأ ورقة إلا والمصلحة الشخصية تلمع بين عينيه، أمَّا الذمم والقيم والأعراف والشيم فإن ذُكِّروا بها نظروا إلى حاوية أو سلة المهملات تحت مكاتبهم، هذه العبارات والمبادئ هي عندهم من زيف الجاهلية وأساطير (وسباحين) العجائز التي يرددنها على مسامع الأطفال، والسباحين هي الروايات والقصص التي كانت تتلوها الجدات للأحفاد قديماً فكانت كأفلام الكرتون والصورة المتحركة الآن.
ومديرون كانوا يمكن أن ينفعوا لأي عمل غير الإدارة، حفظوا كتباً ونجحوا وعُينوا وتدرجوا وظيفياً دون فائدة عملية تُذكر أو خبرات تُرصد لصالحهم أو أن الصدف والحظوظ كانت أمامهم في دروب الحياة، مديرون لا يمكن أن تصفهم إلا كالدمى واللعب في يد زمرة أو عصابة تحيط بهم من موظفي الإدارة، وسعادته مسرور بما يحيطونه به من هالة الإطراء والمديح غير أنه لا يعلم ما يدور في إدارته من خرق للأنظمة حتى إذا ما اتسعت مساحة الخروقات وجد نفسه ذات صباح يسقط من هذا الخرق الذي صنعه بيده، وجنته عليه ضحالة كفاءته واستسلامه لأولئك العابثين الذين لم يتلقفوه حين سقط ولم يودّعوه حين غادر، بل وقفوا عند مدخل الإدارة يستقبلون مديراً جديداً يأملون أن يكون كصاحبهم.. وقالت العرب: المرء حيث يضع نفسه.