يوم بعث كسرى مبعوثه إلى الخليفة عمر بن الخطاب، فبحث عنه، فقيل له، تجده خارج المدينة يستظلُّ تحت شجرة، فذهب يقصده حيث وجده في المكان الموصوف ينام تحت الشجرة، فتوقّف المبعوث الفارسي مندهشاً أمام منظر لم يألفه، حاكم الأُمّة التي هزمت جيوش إمبراطوريته، ينام تحت شجرة بلا حراسة.. فقال قولته التي أصبحت مثلاً يتردّد في كلِّ مناسبة مشابهة (عَدَلْتَ فنمتَ)...!!
ذلكم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، واحدٌ من أعدَل من عَرفَتْهم البشرية.
واليوم كم حاكماً ينام قرير العين، وهل هناك من يستطيع أن يكون ذلك الحاكم العادل الذي ينام في هذا العصر والعصور التي قبله، في قصور مشيّدة.
هؤلاء الحكام هل ينامون قريري العين، وخاصة في المناطق التي تهبُّ عليها بين الحين والآخر، ما يسمَّى بـ(الربيع السياسي)؟.. ففي مثل هذه الأوقات، يستشعر الحكام الذين يرتبطون بحالة عداء دائم مع العدل.. يستشعرون خوفاً من هبوب الربيع، بعضهم يذهب إلى أبعد من حالة الخوف، ليرتكب موبقات أخرى تبعده عن شعبه، ويوسّع حالة العداء مع العدل ومقوّماته. أمّا النصف الآخر من الحكام الذين يسعدهم اتساع مساحات الحرية والحق والعدل، ويرتاحون كثيراً أثناء هبوب رياح الحرية والربيع، فإنهم يحقُّ لهم النوم قريري العين، لأنهم ببساطة عَدَلوا فناموا، ولأنهم جزءٌ من شعبهم يحملون همومهم ويسعون لتحقيق تطلُّعاتهم.
ومن السهل... بل والسهل جداً تصنيف نوعية هؤلاء الحكام... فالحكام الذين يعدلون فينامون، هم الذين يعملون من أجل إسعاد شعبهم بتلقائية وأفعال لا تقبل المزايدة والتلكؤ.. أما الحكام الآخرون الخائفون من هبوب رياح الحرية، فهم الذين يواصلون محاصرة شعوبهم بالتضييق والألم، في محاولة منهم لتصدير حالة الخوف الذي يسكن نفوسهم، إلى شعوب لا يمكن أن تبقى دائماً ساكنة، فتهبّ لاستعادة حريتها ونزع الخوف من قلوبها، ليرتد الخوف وينتقل إلى هذا النوع من الحكام ليذوقوا ما عملت أيديهم.
أما من عَدَل وأدّى واجبه في رعاية شعبه فتملأ الطمأنينة نفسه، وينام قرير العين، ينعكس ذلك على أفعاله وأقواله، حيث يبدو على سجيّته متسامحاً مع نفسه قبل أن يتسامح مع شعبه.