منذ زمن غير قصير ووزارة العمل تخرج كل عام أو عامين ببرنامج جديد من أجل توطين الوظائف، كان آخرها برنامج نطاقات، والذين يسعى إلى تحفيز المنشآت لتوطين الوظائف، ويضع معايير جديدة وملزمة لتقييم المنشآت في توطين الوظائف، ويفرّق في التعامل بين منشآت القطاع الخاص ذات معدلات التوطين المرتفعة والأخرى غير الراغبة في التوطين، لكن ما يجعل المواطن غير متفائل في نجاح البرنامج فشل معظم البرامج السابقة بدءاً من توطين أسواق الخضروات وسيارات الليموزين، ومروراً بخطط توطين الأسواق التي لم يُكتب لها النجاح، كان آخرها الانتكاسة التي حدثت في أسواق الذهب، وتمت معالجة الأمر أمام عيون المواطن بتعميم الزي السعودي على الأجانب الذي عادوا إلى مواقعهم بعد سنوات
من إكمال سعودة الوظائف في أسواق الذهب، وكأن المهمة انتهت بذلك النجاح، ثم سُلم السوق مرة أخرى للإخوة العرب.
كذلك هو الحال في برنامج نطاقات والذي سيفشل مرة أخرى كما فشل غيره، وأتمنى أن أكون مخطئاً في تقديري، وسأكون مستعداً لتقديم اعتذاري عن تقديري الخاطئ إذا نجح البرنامج فعلاً، على شرط أن تقوم جهات محايدة في تقدير حقيقة النجاح، ويأتي تشاؤمي بسبب ما أسمعه من أصحاب الشأن، والذين يتحدثون عن حلول سهلة لتجاوز شروط نطاق، ومنها التوظيف الوهمي لأشخاص يظهرون آخر الشهر لاستلام مبلغ ما مقابل إدراج أسمائهم على لائحة المواطنين العاملين في المؤسسة، لذا أنا متشائم، وسنظل نبحث في الهامش عن حلول سحرية لأزمة طالت أضرارها مصالح المواطن، ونبتعد عن الحلول المركزية للأزمة.
وحسب ظني أن الأزمة واضحة ولا تحتاج إلى خبير أجنبي ليجد لها حلاً، فالأمر باختصار هو في ارتباط مصالح بعض المواطنين المؤثرين والمتنفذين بمصالح العمالة الأجنبية، والذين يقفون خلف احتلال الأجانب لمختلف المهن الحرة في السوق، بدءاً من مهن الحدادة إلى مصانع الرخام والألمنيوم ومحلات المبيعات بمختلف أنواعها، والسبب أن هؤلاء المواطنين لن يقبلوا بالحل المرّ، والذي سيجردهم من مداخيل عالية، فهؤلاء يعيشون على فرص عمل أكثر للأجانب، والذي إذا توفرت لهم فرص عمل ازداد دخل الكفيل السعودي، والذي قد يكون أحياناً في أعداد الستة أصفار وأكثر. أحياناً أتساءل: هل يدخل ما كتبته أعلاه في جلد الذات أم هو حقيقة لا نستطيع مواجهتها، وهل من جلد الذات أن نعترف بمنتهى الشفافية أننا نواجه أزمة في غاية الخطورة أمام الانفجار السكاني القادم، وهل من جلد الذات أن نقول: إن تأسيس جامعات تُخرج مئات الآلاف بدون فرص عمل هو في حقيقة الأمر انتحار ولكن بأسلوب أكثر تحضراً، وهل من جلد الذات أن نطالب بإنشاء شركات كبرى على غرار سابك في الصناعة والمقاولات، على أن تشارك الحكومة بنصيب الأسد فيها، وذلك من أجل استيعاب المليون القادم من العاطلين عن العمل، على أن يتم الإسراع في إلغاء الكفيل واستحداث شركات وطنية غير ربحية توفر أصحاب المهن، ولكن تقدّر حاجات المهنيين المواطنين الذي يشغلون تلك النسب.
في نهاية الأمر لن يخرج الحل الحقيقي من بوابة رجال الأعمال، فتعارض المصالح يقف ضد الحلول الصحيحة، والأمر يحتاج إلى رؤية وطنية خالصة، لا ترى في المستقبل إلا مصالح الوطن وأمنه الاجتماعي، لذلك تأتي الحلول من خلال القرارات الصعبة التي لا تفكر في أي مصالح شخصية أياً كانت، ولا أرى حلاً غير ذلك الحل، وهو أن تقود الدولة الاقتصاد، وأن لا تكتفي بإعلانها أن الاقتصاد السعودي حرّ، والسبب أن حرية الاقتصاد تحتاج إلى مراحل اقتصادية أكثر تقدماً، والمجتمع السعودي لا زال يفتقر إلى ثقافة العمل، ويجب نقله من مجتمع رعوي يعيش على طلب المعونة إلى مجتمع قادر على صناعة المستقبل، ولنا في شركة آرامكو ونجاحها خير دليل على إمكانية نقل المجتمع البدوي والريفي إلى مجتمع منتج.