في الظروف العادية للمنشآت الاقتصادية تمر المُنشأة أو الشركة بنفس المراحل التي يمر بها الإنسان؛ فهي تولد صغيرة ضعيفة مملوكة لعدد قليل من الشركاء، وتخضع للتحكم المطلق من قبل الشريك أو الشركاء دون أية إرادة ذاتية للشركة أو رقابة حكومية، فلا مجلس إدارة ولا جمعيات عامة ولا حوكمة، تماماً كالطفل الذي لم يبلغ سن الرشد بعد. ثم تنمو وتتمدد أفقياً ورأسياً مع زيادة أعمالها وتوسع نشاطها، ويزداد عدد الشركاء فيها إلى أن تحول كثرة عددهم دون القدرة على سيطرتهم وإشرافهم على إدارتها. وفي هذه المرحلة التي تُشبه مرحلة المراهقة عند الإنسان تتبنى القوانين الرقم (عشرون) كحد فاصل بين مرحلتين الطفولة والمراهقة، فإذا بلغ الشركاء هذا الرقم أصبحوا مُلزمين بتأسيس مجلس للرقابة يكون له صلاحيات رقابية فقط. وتتخطى الشركة مرحلة المراهقة إلى مرحلة الرشد والاستقرار في اللحظة التي يتجاوز فيها عدد الشركاء الخمسين شريكاً. وعندئذٍ تخرج الشركة من المجال التجاري نحو مجال آخر أكثر تطوراً وتعقيداً، هو قطاع التمويل، الذي يتميز بخاصية (إدارة أموال الآخرين) ويشمل سوق الأوراق المالية والقطاع المصرفي وقطاع التأمين. وببلوغ الشركة هذه المرحلة تخرج عن السيطرة المطلقة لمُلاكها وتُصبح كياناً متطوراً له إرادة ذاتية تتمثل في جمعيات الشركاء (المساهمين). وبعد هذه المراحل الثلاث (الطفولة والمراهقة والرشد) هناك مرحلة رابعة موجودة لدى بعض الأسواق المتطورة يُمكن وصفها بـ(العمومية)، أي المرحلة التي إذا وصلت إليها الشركة أصبحت شركة عامة، وانضوت تحت مظلة الرقابة التنظيمية الحكومية وأصبحت خاضعة لما يُعرف بالالتزامات المستمرة، التي تشمل من بين أمور أُخرى الإفصاح عن التقارير المالية الربع سنوية والسنوية والتطورات الجوهرية. في الولايات المُتحدة يُعد الرقم (خمسمائة) لعدد الشركاء هو الحد الفاصل الذي تدخل الشركة ببلوغه مرحلة العمومية، ولهذا تضطر العديد من الشركات عند بلوغها تلك المرحلة إلى إدراج أسهمها في البورصة، مثل شركة (قوقل) عام 2004م، لأنها إذا لم تفعل ذلك ستتحمل أعباء الإدراج دون الحصول على ميزاته. أما شركة (فيسبوك) التي بلغت هذه المرحلة الآن وتُخطط للإدراج بداية العام الميلادي القادم فقد تستفيد من تعديل يدرس في الكونقرس حالياً يرفع الرقم إلى ألف شريك بدلاً من خمسمائة. في المملكة، (وفي أغلب الأسواق الناشئة) لا يوجد ما يُمكن وصفه برحلة العمومية الإلزامية للشركات، ولكن تسعى الشركات بمحض إرادتها إلى الإدراج لأن ميزاته تفوق عيوبه ومخاطره. أما المرحلة الأخيرة في عمر الشركة، والإنسان، فهي: البقاء لله عز وجل.
ibrahim@alnaseri.com