ذات مرة قريبة كنت في أبها، المدينة البيضاء، والقمم الشاهقة، ومناظر المزارع التي تشبه الأشعار والرسومات الجميلة، أبها فضاء الحلم، وأرض العطر، السماء كانت ملبدة بالغيوم الكثيفة، فجأة تحول المطر عندها من رذاذ إلى قطرات كبيرة تضربني بقوة شعرت خلالها بانتعاش مميز، وبنشوة عارمة حلقت بي إلى عوالم أخرى، كنت سعيدا ومبتسما، الشوارع رطبة، والأشجار تتراقص بفرح، والهواء العليل يزيدني بهجة وحبور،
انشغلت كثيرا بهذا الطقس الخلاب، سرت طويلا، الأشياء تبدو أمامي جميلة ونافرة بالحسن، والريح تسير برفق باتجاه وجهي، تنقلت من رصيف إلى رصيف، جلست في العراء، وتحدثت مع الغيمة، أبها مثل امرأة حسناء، وقصيدة تنازع شاعر، هي النخلة والقصيدة وسنبلة القمح وأسوار الحروف وإرسال الخيال، هي دفتر الطبيعة ووسادة الحلم، هي الغزالة والبرتقالة وغابة الورد، هي الخضرة والزرقة ولون الحناء، هي المبخرة والمحبرة وثمر الرمان وبوصلة الصباح الندي، هي البلورة والفراشة وأفق العنب، هي كأس الحليب وحواس الفجر ودرج العشب، ماسة الليل هي ونغمات الغروب وسرب الطيور، رغم هذا قلت سأكتب إلى الهيئة العليا للسياحة والآثار خطابا ذا لغة صافية فيه مشاعر وفيرة وصدق عالٍ، بعيدا عن الفلذكات الشعرية والرموز المبهمة، لأقول لهم بأن روعة الأرض والطقس الخلاب والحمائم المحلقة وعصافير الفجر وصوت الريح الندية وغناء الغصون وعرنوس الذرة ولون الضباب وبياض المدينة، لم تفلح في إثنائي عن تدويني لبعض الملاحظات العامة في مجمل السياحة الداخلية، سيما ونحن على أبواب العطلة الصيفية وبداية موسم حزم الأمتعة والرحيل نحو مصبات الماء ونوافذ البرد والغيمة المتهادية أبرزها:
- ارتفاع تكاليف السياحة الداخلية بشكل باهظ.
- مشكلة حجوزات الطيران.
- خطورة وعدم صلاحية بعض الطرق البرية الطويلة التي تربط بعض المناطق ببعضها البعض.
- سوء الخدمة على الطرق وأحيانا عدميتها.
- عدم تهيئة بعض المدن والمحافظات سياحيا وافتقاد الكثير منها للسكن المناسب والقصور البائن في نظافة الشقق والمنتجعات.
- عدم العناية والاهتمام بالأماكن الأثرية وافتقادها للتركيز الإعلامي وتسليط الأضواء عليها والحث على زيارتها.
وعليه فإن على الهيئة العليا للسياحة عمل الآتي:
- الاهتمام بالبنية التحتية للسياحة من خلال توفير الفنادق والمنتجعات ومدن الترفيه الكافية.
- وجوب إعادة النظر في تقييم دور الإعلام السياحي المقروء والمرئي وأهمية إعداد البرامج الإعلامية السياحية الموجهة بهدف التوعية السياحية وبثها بكثافة وتنوع.
- الطلب من الشركات والمؤسسات السياحية بوجوب تنفيذ برامج سياحية جماعية وأسرية واسعة ومتنوعة وتسهيلها لذوي الدخل المحدود برسوم مخفضة.
- التركيز على التوقيت المناسب للبرامج السياحية المحلية التي يفضلها أغلب أفراد المجتمع من الموظفين والطلاب.
- مراقبة مستوى تقديم الخدمات في الفنادق والشقق والمنشآت السياحية وتقييمها من حيث النظافة والأسعار والجودة.
- العمل على أهمية خلق وعي مجتمعي بأهمية السياحة الداخلية بفائدتها للفرد والمجتمع عبر تكامل الأدوار بين الجهات المعنية كافة.
- الطلب من الجهات المختصة بالسماح للطيران الخليجي للهبوط في مطارات المناطق السياحية كالطائف وأبها والباحة وتبوك وغيرها.
- خلق الحوافز للقيام بصلاح هياكل المؤسسات السياحية وتسهيل قيام هذه المؤسسات بتقديم خدمات شاملة.
- خلق الفرص وتدعيم الترويج السياحي واستغلال كافة القنوات للعمل ترسيخ ثقافة السياحة الداخلية وفق منظومات إعلامية تشد المتلقي وتشوقه.
- جذب الاستثمارات الأجنبية في قطاع السياحة من خلال تهيئة المناخ المناسب لجذب هذه الاستثمارات ونيل ثقة المستثمرين الأجانب والاستفادة من خبرة ومعرفة تلك المؤسسات أو الشركات السياحية.
إن الهيئة العليا للسياحة تدرك وتعي جيدا بأن تطوير السياحة الداخلية وتأهيلها ضرورة من ضرورات التنمية ورافدا عظيما من روافد الاقتصاد الوطني القومي والناتج المحلي، وهي في تقدم وتطور ملموس ولها إنجازات ملموسة وتبذل جهودا حثيثة لتطوير هذا القطاع الحيوي الذي أصبح يساهم بنسبة عالية في الدخل القومي مع التوقع الكبير في رفع وتيرة هذا الدخل في السنوات القادمة، لذا نريد من الهيئة العليا للسياحة والآثار أن تستمر في العمل بنشاط وتوهج وكثافة وأن تقوم بمضاعفة الجهد في الرعاية والتطوير والتنمية والتنوع والتحفيز السياحي، والقضاء على كافة المعوقات والصعوبات التي تعيق السياحة، إن بلدنا تملك مقومات السياحة وهي غنية بجميع عناصر تلك السياحة الدينية منها والترفيهية والثقافية والطبية والآثار التاريخية والمهرجانات والتسويق، حتى تصبح السياحة الداخلية عندنا غرسا يانعا ذا ثمر ممتلئ، وفاكهة صيف نظرة، ونافورة ماء، وحتى نصبح من أبرز الدول السياحية في العالم ومن الدول السياحية التي يشار إليها بالبنان.
ramadanalanezi@hotmail.com