لماذا خفتت أصوات الذين كانوا يتحدثون عن ثورات الشباب في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا؟! لماذا كنا نتحدث بصوت عالٍ، ملؤه الفخر والتأييد، عن هذه التحركات البطولية الاستثنائية التي كسرت حدود الخوف وصنعت تواريخ عربية جديدة، ثم بدأنا نغير نبرتنا، أو نتجه للصمت أو شبه الصمت؟!
هل كانت أصواتنا العالية في البداية، مجرد انفعال تلقائي، أو ردة فعل عاطفية؟! هل لم نكن ندرك لماذا كنا نصرخ بالتأييد والبهجة، ثم بعد ذلك هدأنا، فهدأ صراخنا وهدأت بهجتنا؟! هل حينما رأينا الأمور، تأخذ مسارات، ليست تلك المسارات التي كنا نتوقعها، آثرنا أن نراقب من بعيد، وأن نقاطع مهرجانات المباركة؟!
ربما لا يملك أحد إجابات على هذه الأسئلة لكن أحوالنا في النهاية، ستظل مثيرة للدهشة. فحينما تكون هناك ثورة شعبية عارمة ضد الفساد الكبير الموحد، ثم تنجح هذه الثورة في أهدافها، تظهر بعدئذ فسادات صغيرة ومتفرقة، ويكون من الصعب وضع اليد على كل فساد من هذه الفسادات، وبالتالي تتعقد عملية كشفه والانقلاب عليه.
هناك يأس عند الكثيرين اليوم، لأن ثمة من يريد أن يركب موجة الثورات الشبابية، وأن يجيرها لصالحه. وبعد أن تنتهي الحرب ضد شرعية الفساد، يصير لدينا فساد شرعي. هذا ما أشرتُ له، بعد أول صرخة شبابية في تونس ثم في مصر.