تعيش الأسر السعودية في هذه الفترة من العام فترة استنفار، وبخاصة ممن لديهم أبناء وبنات في السنة النهائية من المرحلة الثانوية؛ فهم يعيشون مع فلذات أكبادهم فترة أسبوعين عصيبة يتمنون أن يكون النجاح من نصيب أبنائهم وبناتهم يضمنون على ضوئه
حصولهم على مقاعد دراسية في جامعاتنا، ولا يتوقف قلقهم عند هذا الحد بل يمتد ليطاله الخوف من مجهول مدى الحصول على قبول في جامعة، أو كلية وكذلك تمتد مسيرة القلق قليلاً -إن جاز تسميتها بذلك- لتشمل خوفهم من عدم جاهزيتهم لاجتياز بنجاح فترة استجدادهم في المرحلة الجامعية، وبخاصة إذا ما استحضروا النسبة التي تشير إلى أن نسبة الرسوب في السنة الجامعية الأولى تصل حسب بعض الإحصائيات إلى أكثر من 20%.
تشير الإحصائيات إلى أن ما يفوق الربع مليون قد تخرجوا في المرحلة الثانوية لهذا العام أكثر من عشرة آلاف منهم فقط في مدينة الرياض لوحدها والذين ينتظر ومن ورائهم أولياء أمورهم أن يكون هناك برنامج تهيئة متكامل في ظل معرفتنا بأن هؤلاء قد أمضوا اثني عشر عاماً في ظل نمط تعليمي عام يختلف عن المرحلة الجامعية؛ فالبيئة التعليمية التي هم مقبلون عليها مغايرة، وهناك نظام تعليمي مختلف، ومتطلبات أكاديمية تختلف كُليةً عمّا اعتادوا عليه أثناء تعليمهم العام، ولا غرو فخريجو المرحلة الثانوية يعبرون بتخرجهم منها مرحلة ذات سمات وخصائص تختلف بكل المعايير وعلى كافة الأصعدة عما هم مقبلون عليه في المرحلة الجامعية.
ومن هنا فمسؤولو التعليم الجامعي أمام مسؤولية كبرى تحتم عليهم العمل بكل إمكانياتهم حتى يساعدوا جيل المستقبل حتى يعبروا بسلام هذه المرحلة الانتقالية الشائكة، ويكونوا أكثر قدرة على التأقلم مع وضعهم التعليمي الجامعي الجديد، وذلك من خلال القيام ببعض الخطوات والإجراءات العملية العاجلة، وبخاصة إذا ما علمنا -كما أشارت بعض الدراسات التربوية- إلى أن 90% من الطلبة الذين يجتازون المرحلة الثانوية هم بحاجة إلى إعادة تأهيل حتى يكون بإمكانهم الاستمرار في المرحلة الجامعية.
ويأتي على رأس تلك الخطوات الإجرائية إيجاد برنامج تأهيلي مبكر، وآخر متأخر أو متزامن مع فترة الانتظام بالدراسة الجامعية والتأهيل المبكر يمكن أن يُعمل به من خلال إعادة النظر في طبيعة الدراسة في السنة الأخيرة من المرحلة الثانوية بحيث تكون مشابهة لمثيلتها في المرحلة الجامعية حتى يكون الانتقال طبيعيا بين المرحلتين. طبيعة الدراسة في المرحلة الثانوية تعتمد على تلقين الحقائق لا إلى تنمية المهارات المعرفية، أو زرع بذرة التفكير الخلاق الناقد، ومن هنا نجد أن درجات الطالب ترتفع بزيادة تطابق أجوبته مع نصوص الكتاب المدرسي التي حفظها عن ظهر قلب وفرغها على أوراق إجابات الاختبارات والتحول المفاجئ من هذا النمط إلى نمط تعليمي جديد يقود إلى مشاكل تعليمية تقود في نهاية المطاف في معظم أحوالها إلى تجربة تعليمية جامعية فاشلة، أو في أحسن أحوالها ضعيفة والتأهيل المبكر يتطلب منا أيضا إيجاد آلية تسمح لطلاب المرحلة الثانوية بدراسة مواد جامعية يقومون بدراستها في المدينة الجامعية يتم احتسابها للطالب عند التحاقه بالجامعة، أو يكتفي فيها بمنح الطالب درجة ناجح أو راسب في المادة من دون الإشارة إلى التقدير الذي حصل عليه الطالب، وبذلك نكون قد وفرنا للطالب خبرة جامعية سابقة لالتحاقه بالجامعة، ومما يمكن القيام به أيضا إتاحة الفرصة لأساتذة الجامعات لتقديم محاضرات دورية في المدارس الثانوية، ويمكن كذلك القيام بعقد مجالس داخلية تتألف من منسوبي المدارس الثانوية والجامعات والترتيب للقاءات بين منسوبي المدارس الثانوية ومسؤولي الكليات الجامعية للبحث في عملية التكامل والترابط بين ما يُدرس في المرحلة الثانوية والمرحلة الجامعية، ومناقشة عملية الاتساق بين التخصصات الأكاديمية في المرحلتين.
والتأهيل المتأخر يمكن تقسيمه إلى قسمين: الأول يُطلب فيه من الطالب الذي ينوي الدراسة في الجامعة الالتحاق ببرنامج صيفي يهدف إلى تعريف الطالب بالمرحلة الجامعية يمتد لعدة أسابيع تصل إلى الثلاثة على أقل تقدير، ويُستحسن أن يُقام على أرض المدن الجامعية، أو إذا تهيأت الظروف يُمكن فيه الطالب من الإقامة في المدينة الجامعية أثناء فترة إقامة البرنامج الصيفي التأهيلي. ويمكن تصميم هذا البرنامج على شكل ورش عمل تشرح للطلبة كيفية اختيار التخصص وعملية القبول والتسجيل والتحضير لاختبارات القبول وإعطاء الطالب فكرة متكاملة عن طبيعة الدراسة والحياة الجامعية التي هم مقبلون عليها. وهذه العناصر الثلاثة هي أبرز ما يحتاجه الطالب الذي هو على أعتاب المرحلة الجامعية.
تشكل عملية اختيار التخصص مشكلة كبيرة لدى طلابنا وطالباتنا؛ إذ تُشير الإحصائيات إلى أن 40% من الطلبة الجامعيين يقومون بتبديل الكليات التي التحقوا بها بعد السنة الأولى نتيجة اكتشافهم لخطأ اختيارهم لكلياتهم التي غالبا ما يبنونها على اعتبارات خاطئة، أو عن طريق الاستئناس بتجارب غيرهم من دون الأخذ في الحسبان قدراتهم، وميولهم، ورغباتهم وإدراك لمتطلبات سوق العمل والاستئناس بتوجيه مهني، أو الانضمام لبرنامج تدريبي نوعي متخصص يعين الطلاب على التعرف على قدراتهم ورغباتهم، ودراسة المجالات الدراسية وتحليلها ومن ثم القيام بعملية المفاضلة بينها.
وينقص الطلاب المنضمون حديثا إلى الجامعة أيضا المعرفة بطبيعة الحياة الجامعية؛ إذ لا يتم تزويدهم بمعلومات تعينهم على كيفية التعامل مع مجتمع الجامعة، وكيفية التصرف إزاء الحرية في الجامعة، وبخاصة فيما يتعلق بحرية حضور المحاضرات من عدمها التي يسيء الكثير من الطلبة استخدامه وينتهي بهم المطاف في كثير من الحالات إلى الحرمان من دخول اختبارات تلك المواد التي غابوا عن محاضراتها، وطبيعة العلاقة بين الأستاذ الجامعي والطالب وطريقة الاستذكار المناسبة لأسلوب الدراسة المختلف بالجامعة، وبخاصة أنهم اعتادوا على استقاء معلوماتهم من كتاب محدد ومقنن إلى درجة كبيرة يقومون بحفظها واسترجاعها أثناء الاختبارات. أما وقد انتقلوا إلى المرحلة الجامعية فالوضع يختلف كُليةً؛ فهم بحاجة إلى العودة إلى كتب ومراجع متشعبة، وربما يجدون أنفسهم بحاجة إلى كتابة المعلومات التي يلقيها عليهم أستاذهم أثناء المحاضرات، وأن عليهم بدل حفظ المعلومة واسترجاعها البحث عنها وتقييمها ونقدها وتحليلها وغيرها من مستحقات التعليم الجامعي التي تسبب ارتباكا وحيرة لدى الطالب الجديد حين لا يتم إعداده لها وتدريبه على كيفية التعامل معها مسبقاً.
والقسم الثاني من التأهيل المتأخر يكون بالتزامن مع بداية الدراسة الجامعية، ويحسن أن يتولى أمره مرشدون أكاديميون وأخصائيون نفسيون يقومون من خلاله بإجراء لقاءات دورية مجدولة للطلبة المستجدين بحيث يتولى المرشدون الأكاديميون التحاور مع الطلاب حول العديد من القضايا التربوية، بينما يتولى الأخصائيون النفسيون شرح وتوضيح بعض القضايا النفسية، والتعامل مع الاضطرابات النفسية المصاحبة لهذه الفترة الحرجة، وبخاصة إذا ما علمنا أن الطلاب في هذه الفترة يمرون بمرحلة انتقالية، ومرحلة نضج، واكتمال وتشكل والتركيز على هذين الجانبين تحديدا مرده إلى أن التوصيات التي توصلت إليها بعض الدراسات تشير إلى أن 80% من مشكلات الطلاب هي ذات مصادر اجتماعية بينما تبلغ النفسية منها 20% ودور الأخصائي النفسي يتوقف على إحداث تهيئة نفسية ملائمة وتوفير إجابات شافية عن التساؤلات عن خصوصيات المرحلة الجامعية، وتوفير أجواء مناسبة تعين الطالب على التأقلم والتكيف معها، والتعامل بخاصة مع عنصري الخوف والرهبة من المرحلة الجديدة والتعامل مع الانتقال بعيدا عن الأسرة لمن ينتقلون إلى حيث توجد المدن الجامعية في مناطق بعيدة عن مدنهم وقراهم، وكذلك انتشال الطالب من عقلية وتفكير طالب المرحلة الثانوية.
أما دور المرشد الأكاديمي فيعتمد في المقام الأول على إمداد الطالب بالوسائل التي تعينه على الاندماج السلس في البيئة التعليمية الجامعية الجديدة ومن ثم تحقيق أعلى معدلات التحصيل العلمي وذلك من خلال تقديم خدمات إرشادية تربوية عامة مصاحبة لبداية المرحلة الجامعية، وأخرى تخصصية تمتد على مدى العام الدراسي. في بداية العام الجامعي ينبغي أن تتضافر جهود المرشد الأكاديمي مع إدارة الكلية بحيث يكون هناك ما يمكن تسميته بأسبوع إرشادي يتم من خلاله تعريف الطالب بالكلية من خلال تقديم شرح واف لنظم ولوائح الدراسة فيها، والتخصصات العلمية الموجودة فيها والتعريف بمرافق الكلية والخدمات التي تتيحها له.
وينبغي أن تتاح للطلاب في هذا الأسبوع فرصة لقاء مسؤولي الكلية، وأعضاء هيئة التدريس وأن يكون من ضمن فعاليات البرنامج الأسبوعي الإرشادي ترتيب لقاء بأولياء أمور الطلبة من أجل إطلاعهم على إمكانات، وأهداف الكلية والحديث إليهم عن الدور المنوط بهم تجاه مسيرة أبنائهم الدراسية وتزويدهم بالأساليب التربوية والنفسية المناسبة لمساعدة أبنائهم أثناء دراستهم الجامعية، وبخاصة في مراحلها الأولى. وذلك كله يندرج تحت ما يسمى بالإرشاد الأكاديمي العام.
وبعد ذلك يأتي الدور على الإرشاد الأكاديمي التخصصي الذي يقوم فيه المرشد الأكاديمي بمتابعة مسيرة الطالب من خلال مساعدته بوضع خطة دراسية تناسب قدرات وإمكانية الطالب وإيجاد آلية لمتابعة تنفيذ الطالب والتزامه بتلك الخطة الدراسية، وأثناء ذلك إرشاده للمقررات الدراسية التي يمكن له أن يسجلها في كل فصل دراسي، ومساعدته على التغلب على الصعوبات الأكاديمية التي يمكن أن تعترض مسيرته التعليمية، وذلك كله يتوقف على تفعيل دور المرشد الأكاديمي بحيث يكون له دور ملموس في ذلك كله لا كما أشارت بعض الاستطلاعات الميدانية التي أجريت على عينة عشوائية لخريجي إحدى الجامعات التي أشار فيها 78% من الطلاب أنهم لم يذهبوا إلى المرشد الأكاديمي طوال سنوات دراستهم الجامعية، وذلك إما لعدم معرفتهم بوجوده أو لعدم إدراكهم لما يمكن أن يقدمه لهم من خدمات أكاديمية إرشادية عامة وتخصصية. وهكذا فصعوبة عملية التحول من المرحلة الثانوية إلى المرحلة الجامعية تتطلب معالجة تربوية تشارك فيها أطراف عدة من أجل جعل النقلة النوعية الكبرى أكثر سلاسة، وجعل الفجوة بين المرحلتين أقل اتساعاً، وجعل الطالب الجامعي المستجد أكثر جاهزية لخوض غمار حياة جامعية مآلها النجاح والتوفيق.
alseghayer@yahoo.com