تعودنا في سباقنا المحموم لجلد الذات، وانتقاد كل ماحولنا من شؤون ثقافية واقتصادية واجتماعية أن نقارن أنفسنا بالآخرين، وأن نرى إنجازات الآخرين بعين ترى أننا بلا أي إنجاز وكأننا نعيش على هامش العالم ونستحق أن نجلد ذواتنا ومجتمعنا بأقسى الأدوات.
قبل أن أدخل في موضوعي أود السؤال: ماذا استفدنا من قضية «جلد الذات» الدائمة؟.. وماذا حققنا جرّاء هذا الجلد سواء على صفحات الصحف أو في المنتديات الإلكترونية والمجالس، وماذا نتج عن الانتقاد الدائم؟ ورغم أني لست ضد النقد البناء مع ذلك لا أخفي عليكم أني في بعض الأحيان أشعر بملل حقيقي مما أقرأ وأسمع حتى يخيّل لي أنني أعيش في مجتمع لا علاج له، يبث الإحباط والسلبية في النفس حتى تخنع الروح وتخضع الحماسة للسكون.
لا أود هنا أن أمارس جلدا ذاتيا ولا أود أن أسوق الانتقاد تلو الانتقاد وأقارن مجتمعنا بغيره، ولكن وسط الورشة التي يعيشها الوطن بين مشاريع تعليمية وصحية وشبكات طرق وإصلاحات وابتعاث طالبات وطلاب.
أتساءل هل أعددنا العدة للمرحلة المقبلة ومستقبل أجيالنا؟ من واقع رؤيتي كإنسانة تسمع وتقرأ وتعيش في هذا البلد و - لست مختصة- في المجال الهندسي أرى هذه المشاريع وكلي سعادة بها رغم حكايا الفساد وعقود الباطن، أفكر كثيرا بمحركات أي مشاريع اصلاحية تتعلق بثلاثة محاور (الإرادة، الرؤية المستقبلية، الجودة)، فعندما أريد أن أقارن بين ما نسمعه عن سوء في تنفيذ الطرق وبناء المدارس، سأقارن بمشاريع الحرمين الشريفين على سبيل المثال وجسر الملك فهد، فهذه المشاريع حين توفر لها إرادة ترغب بمشاريع على مستوى عالمي تستشرف حاجات المستقبل وتُنفذ وفق أعلى مستويات الجودة سأقول إننا قادرون ومنذ زمن طويل على الإبداع والتطوير خاصة حين نرى مشاريع نُفذت منذ عقود كأنها بنيت البارحة.
أبحث هنا عن الرؤية المستقبلية وما أعددناه طوال تلك السنين للأجيال القادمة، من تطوير للتعليم ووسائله ومبانيه وتنفيذ مشاريع خدمية تعيش لعشرات السنين، كما أسلفت.
لا أود الحديث عن الطرق في أمريكا ولا المصانع في اليابان ولا مكتبات أوروبا وتعدد ثقافاتها فهذه مجتمعات سبقتنا كمجتمعات من العالم الثالث، أتحدث هنا عن بنية مجتمع عانى من سوء التخطيط بالرغم من أنه مرّ بتجارب سابقة ناجحة.
فنحن مع الأسف عرفنا أخطاء الماضي ولكن لم نعالجها، وبنينا مشاريع بجودة ضعيفة لاتعكس طموح قائد هذه الدولة الذي أنشأ معها هيئة لمكافحة الفساد حين كثر المفسدون وخنع المتعلمون، فعادت دواليب الماضي التي سيحاسبنا عليها الأجيال المتلاحقة وعما أضعناه من ثروات مادية وعلمية وسيقولون حتما لماذا أنجبتمونا؟ أشير هنا للإرادة وللتغيير والتطوير وبناء المستقبل، وما نملكه من قدرات إيجابية نسعى بالقوة لتحطيمها فنحطم معها الجيل القادم الذي أصبح يعرف ما يريد لأنه ولد على ضوء المعرفة والانترنت حتى أنني حين أسمع نقاش أبنائي وأقرانهم أستشعر حجم الهوة التي خلقناها بيننا وبينهم، ونتناقض حين نرسل المبتعثين ليعودوا للتعامل مع عقليات بيروقراطية قديمة تحتاج للتسريح وأن يتسلم «الطموحون الجدد» زمام الأمور ويتولون تنفيذ مشاريعهم وثقافتهم بأنفسهم.
الاعتراف بالفشل لا يحتاج لجلد ذات، ما نحتاجه هو تلمس الخطأ والبحث عن الحلول ونشر ثقافة التغيير، ونظرة واقعية لذواتنا فالفاسدون والعقليات البالية هم من صميم أنفسنا ولم ينزلوا من الفضاء، كل ما نحتاجه الاستماع لصوت النفس لا صداها.
www.salmogren.net