تعجز الكلمات في التعبير عن الترحيب بك، وألوف الملايين وترليونات أعداد الترحيب لا توفيك حقك من الترحيب في منطقة امتازت بتحية زوارها بـ: مرحباً ألف، ولكن أنت لست زائراً، وما كان يخطر ببال الكثرة الغالبة من أبناء منطقة عسير أن تستقبلك زائراً بعد أن كنت صاحب الدار تستقبل باسمهم الزوار لمدة زادت عن ثلاث وثلاثين سنة يعني عمر جيل كامل، جيل من أبناء منطقة عسير لم يعرفوا لهم حاكماً غيرك، ولذا فلسان حالهم يقول: مستحيل أن نستقبل الأمير خالد الفيصل بصفته زائراً، إنه الأب الروحي لنا، عاد لنا ونحن في أشد الشوق إليه.
أما آباء ذلك الجيل - وأنا أحدهم - فعلاقتنا بك أشد متانة وعمقاً في ترجمة المشاعر، وأنت تحل زائراً - نقولها تجاوزاً - على منطقة أنت من اختلط عرقك بعرق أبناء منطقتهم لتبني ملحمة فريدة من ملاحم التنمية في منطقة لم تعرف ولم تسمع عن هذه المفردة مفردة التنمية إلا حينما حللت بها حاكماً قبل اثنتين وأربعين سنة، فكنت أول أمير من أحفاد المؤسس يتولى منصب الإمارة حينما عزمت القيادة على اختيارك أميراً لمنطقة عسير، وهي أكبر منطقة تعاقب على إمارتها كثير من الأمراء، لأنهم رأوا فيك خير من يمثل الوجوه الجديدة من القيادات الشابة المؤهلة للمشاركة في بناء الصورة المستقبلية لإدارة حكم المناطق.
ولقد كنت فعلاً ذلك الأمل لقيادة اختارتك، ولمنطقة استقبلتك. لقد أثبت أنك من كبار مؤسسي مدرسة جديدة لإدارة المناطق على مستوى المملكة، وأثبت أنك الأول فعلاً. فلم تكن أميراً تقليدياً، بل كنت أميراً تنويرياً، ومهندساً إدارياً، ومعلماً في إنشاء مدرسة مفهوم التنمية. جئت إلى منطقة لم تكن تشكو من اختلال أمني، ولا من فراغ روحي، ولا من نقص في الولاء، ولا من خمول في العزائم لدى السكان، ولا من عدم قابلية للنماء إنما جل الشكوى من فراغ لقيادة واعية تنهض بمنطقة هي الأجمل على مستوى المملكة من حيث القابلية للتنمية.
جئت إليها وليس بها من الطرق المعبدة ما يزيد عن أربعين كيلو متراً. جئت إليها وليس بها إلا مستشفى واحد، ولا ينطبق عليه حتى مسمى مستشفى، جئت إليها وليس بها إلا مطار لا يوجد به إلا غرفة واحدة وعدد من الخيام، جئت إليها وليس بها إلا مدرسة ثانوية واحدة، جئت إليها وليس بها كهرباء، بل كانت تعيش في ظلام دامس، عدا «مواطير» صغيرة لا تعمل إلا لساعات محدودة، جئت إليها وهي مهددة بالعطش إذا ما قلَّت الأمطار. يصعب تعداد ما كانت المنطقة تفتقر إليه قبل أن تصبح أميرها، كما يصعب أن أَعُدّ ما أحدثته في المنطقة من تغيير سيذكرك به التاريخ، والتاريخ حكم لا يخطئ.
أدركت - قبل غيرك في هذا الوطن - ما تتميز به منطقة عسير الأرض الخضراء، الجو الجميل الرائع، الإنسان الذكي المبدع، وكنت دائماً تقول وأنا من سمع منك هذا القول إن لكل منطقة في بلادنا خصوصية طبيعية لها تأثير كبير على انتعاشها الاقتصادي.
الحجاز بخصوصية الحرمين الشريفين، الشرقية بخصوصية منابع البترول، الرياض بخصوصية مركز الحكم، عسير وخصوصيتها في استثمارها سياحياً، ومن هنا كان انطلاق مفهوم السياحة، وجعلتها خطة عمل، وأسست لها إدارة مستقلة في إمارة منطقة عسير، في وقت كان لا يُعرف فيه ماذا تعني السياحة، فحجزت لك - بحق وبجدارة - لقب رائد السياحة في بلادنا، التي أصبحت الآن تُعد من المصادر الواعدة والمهمة في اقتصادنا الوطني. وما دعوتك من قِبل أخيك وابن عمك سمو أمير منطقة عسير الأمير فيصل بن خالد لتكون ضيف الشرف لافتتاح موسم عسير السياحي لهذا العام إلا عرفان بفضلك وريادتك. أما أهلك وإخوانك وأبناؤك في عسير فلا أعتقد أن هناك من هو أسعد منهم برؤيتك، والالتقاء بك على أديم أرض جمعت بينك وبينهم محبتها وسنوات طوال من العمل من أجل النهوض بعسير. إن أبناء وبنات وكهول وشيوخ منطقة عسير لا يضاهيهم أحد في الوفاء، خصوصاً لمن كان صادقاً وفياً معهم، فلقد كنت أنت ذلك الرجل يا أبا بندر.
فمرحباً بك (ألف) بينهم صاحب دار، مسكنك القلوب، وتحميك رموش العيون.