عندما نتحدث عن المرأة فإننا نتحدث عن مخلوق كرَّمه الله ورفع قدره وسميت سورة من القرآن بالنساء يقول الله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} الإسراء70. من هذا المنطلق ندرك قيمة المرأة في أي مجتمع.. فالإسلام اهتم بالمرأة ورفع مكانتها وأكرمها بما لم يكرمها به دين سواه.
فللمرأة حقوق، كما أن عليها واجبات.. فمن حقوقها إن كانت زوجة بتقديرها وإكرامها والإحسان إليها وكف الأذى عنها والتودد إليها ومراعاة شعورها؛ فقد قال عليه الصلاة والسلام: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي).
وسياق هذا الحديث يدل على ما للمرأة من أهمية واحترام من قبل الزوج. فالنظام الاجتماعي وعلاقة الرجل بالمرأة في المجتمع الإسلامي يتمثل في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} الحجرات13.
ويتمثل هذا النص القرآني فيما للمرأة من حقوق على الرجل من حسن المعاشرة بالاحترام والتكريم حتى لو كره منها شيئا لأسباب نفسية أو خلافه فيجب على الزوج أن يكون حسن المعشر والقوامة. قال الله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} النساء 19، فهذه النصوص القرآنية تؤكد وجوب التقيد بها وجعلها نصب أعيننا بما نصت عليه من وجوب احترام المرأة.. فالإسلام جاء مشرعاً للبشر دون استثناء وساهم في تحرير الإنسان من العبودية والمفاضلة وامتهان حقوق المرأة تحت أي ظرف أو أي مسمى، كما كان ذلك قبل الإسلام وقد أنصف القرآن الكريم في قوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا} المجادلة1.. فبهذا، ومن هذا النص الكريم يقر بالمساواة بين الجنسين في الإسلام. ولم تترك السنة النبوية الاهتمام بالمرأة في كل شؤونها، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (كلكم راع وكل مسؤول عن رعيته، فالرجل راع في أهل بيته وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها). أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
ومن هذا التوجيه الكريم ندرك أنه يحدد المسؤولية دون تميز ويحدد الشروط الموضوعية التي تحكم المجتمع ككل. وتحكم الرجل والمرأة معاً قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} التوبة 71، والمرأة بصفة عامة لها من المزايا ما يشفع لها بوجوب الاحترام والتقدير والأفضلية في كثير من الأمور، كما جاء في الحديث الشريف: (من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أُمك. قال: ثم مَنْ؟ قال: أُمك. قال: ثم مَنْ؟ قال أُمك. قال: ثم مَنْ؟ قال أبوك). أو كما قال عليه الصلاة والسلام، والحديث عن مناقب المرأة دعم بالقرآن الكريم والسنة ولم يترك موطنا من مواطن الاهتمام بالمرأة إلا وتطرق إليه ولو تحدثنا عن المرأة ومحاسنها لاحتجنا إلى الكثير من القول.
وما ساقني إلى هذا الموضوع هو جهل الكثيرين والتعدي على حقوق المرأة أو توجيه الإهانة لها ببعض العبارات التي يتلفظ بها بعض الأزواج في بعض المجالس أو المجتمعات من عبارات ممقوتة ودنيئة يتشدق بها أصحاب العقول المتخلفة عقول العصر الجاهلي فهم لا زالوا يعيشون بأفكار التخلف.. فكيف تقول ذلك والمرأة هي أمك وأختك وزوجتك وبنتك وغير ذلك أن تتحدث عمن أكرمها الله في الإسلام وجلها نداً في المساواة بكل الحقوق الوضعية والاجتماعية التي تحكم المجتمع ككل وليس كفرد قال الله تعالى: (المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) ألا تكفي هذه الآيات والأحاديث الشريفة على كرامة المرأة ورفعة شأنها.
فلتخرس تلك الفئة التي تجردت من هذا المنطوق الديني، وليدرك أصحاب العبارات غير المقبولة بحق المرأة أنهم تجردوا من القيم الدينية والعودة إلى مفهوم الجهلة قبل الإسلام.. ويجب ألا ننسى ما للمرأة من بصمات في رفعة شأن الشعوب، فهي مدرسة تبني وتثقف كل أقطاب المجتمع، هي للأبناء مدرسة وتربية، وهي للآباء عون على بناء الأسرة، وهي من تسهر وأنت نائم، وهي من حملت ووضعت وربت وأصلحت.. هي من شيد عمران الأسر ووضعت أول لبنة في بناء الشعوب.. عندما خرج هذا المولود إلى النور استقبلتك يداها الحانيتين وضمتك إلى صدرها كي تريك الحنان وأنت في المهد.. بذلت كل شيء لإسعادك كي تقدمك صالحاً عضواً نافعاً إلى المنظومة البشرية.
لتقف هذه الكلمات خلف الألسن وليكن منطوقها: المرأة حياة ومجتمع وبيئة وكيان يعتز به كل مسلم.
- أبها