الوجعْ الحقيقي أن نَمْتلك كُلَّ مُبررات البُكاء ومع هذا يغدو مُتحْجراً عصياً.
كنتْ أعرف أن مكان الدكتورة دعاء يتربع صدر ذاك المكتب بطاولته المستطيلة التي لطالما احتضنت أوراقها بدفء، وكُنتَ أعْرف أنْ ثَمَة فَرحْ قَريِبة مِني، فِي أثَناء مُضِييِ إلى مَعْملِي الفِيزيَاء, فَأُصَادِفُها عَبَر المَمَر المُقَابِل لمِعْملِها، أو فِي السِلمْ صُعودَاً للأعَلى، بِابتْسَامَتها الهَادِئَة، وسُؤالَها الحَنونْ « إزيكْ بدور» وفِي كِلِ مَره ابتسمْ خجلاً منها ومن تواضُعِها المَعهود.
دُكتورة دعاء أحمد يوسف –رحمه الله عليها -إحْدى أعْضاء هيَئة التدَريس بِقسم الكيمياء, مَسيِرة عَطَاء امْتَدتَ نحَو ثماني سنوات، تَحْمِلُ بيِنْ جَوانِحِها روَحاً ملتهبة بالحماسة للعلم والتعليم، وفوق كل هذا عقلاً فذاً لفكر عقلاني أنيق متألق يعج بالنضج والجد والمثابرة.
إلا أن مشِيئة الله قَدرتْ أنْ تُبْعِدنَا عَنْها فِي نِهاية شَهر جماد الأول في الثَامنْ والعشرون مِنْ هَذا العَام بَعدَّ صِراعْ لمْ يَدُم طَويلِاً مَع مرض السَرطَانْ غَفَتْ معه بِرحْمَة من الله ودُموعْ فاقديها تَتَسْربَلُ مِن محاجر عيونهم و حُرقَة تُشعِلُ جَذوَة البُكَاء فِي الفُؤادِ.
لَا يُبَرّدُها سِوى الذّكر الحّكِيم «إنا الله وإنا إليه راجعون» وَدُعَاءٌ يَطرقُ أبْوَابَ السّماءِ بأن يغفر لها ويرحمها ويفتح لها باب من أبواب الجنة وأن يوسع مدخلها ويونس وحشتها.
بدور إبراهيم الذييب - كلية التربية بالزلفي