«ممر المشاة» في بلدة «سان جان كاب فيراه» قرب «نيس» في جنوب فرنسا يتمتع بجمال فيه الدهشة والوحشة، والألفة والغربة يضم أصناف الأزهار والأشجار، والصخر والبحر، والمنحدر والمنحنى، والجبل والأفق، يضيق حتى لا تكاد تجد مكاناً لقدمك، ويتسع حتى لا تكاد تستطيع أن تطلق قدميك، لكنه الجمال الذي يمتد قرابة ثمانية كيلو مترات، في اتجاه واحدٍ.. أخذني بعيداً إلى فضاء شعري رحب فسيح.. هو عالم من الدهشة.
لئن ضاق دربٌ أو أعاق زحام
فما تعبت في لجة السير أقدامُ
وما سئمت نفسٌ وقد فتنت بما
علا، حيث لا ترقى ذنوبٌ وآثامُ
فإن سار هذا، أو سمت تلك أثمرا
حياة سلام، طاب منه سلام
ألم تر أن الزهر يمنح عطره
وما حبست يوماً عن العطر أكمام
وما حجب الضوءَ الغمامُ وإنما
يداعب أشواق الضياء غمام
يطيب من الدنيا التحدي لعاشقٍ
ذرا النصر، إذ تعلو تلاعٌ وآكام
تراه على جفن الصباح محلقاً
ولم تُقعدِ الساعي إلى الفجرِ أسقامُ
وإن عجز الإنسانُ عن فهمِ نفسِه
هوى تحت أوهامٍ وأعيته أوهامُ
نسافر في الدنيا ويُطوى لنا المدى
بأبداننا، والعمر تطويه أيامُ
وأرواحُنا تمضي لأرواح غيرنا
تحفُّ بها في عالم الغيب أنسامُ
وللروح أسرارٌ تسافر مثلنا
وفي سفر الأرواح فيضٌ وإلهامُ
وللحرفِ سرُّ قد يعبِّر تارةً
ولن تخذل التعبير بالحرف أقلام
وفي شفة الذكرى نشيد مغرّدٌ
تحن له في غربة الروح أحلام
تداعب أجفان الليالي وتنتقي
نجوما تناجيها فتسكن آلام
على لحظة للشوق حالمة المنى
تذيب المنى شهداً، فتعذب أنغام
وتذوي مسافاتٌ كأن لم يكن لها
دويُّ، وقد لاحتْ معانٍ وأفهامُ
ينال بها الساري، وقد طال سيره
صباحا، تهاوى تحت أجفان من ناموا
وما خذلت شمس على الصبح عاشقاً
يهيم بوعدٍ حالمٍ بين من هاموا
ويعبر بحراً من ظلام إلى غدٍ
نقيٌ، ويعلو على هام السنا هام
يرى في مسارات الحياة مَضايقاً
تلوح بها فوق المضايق أعلامُ
وما ضاق عن وجدانه صاحبُ النهى
ولا ضاق دربٌ إن تيسر إقدام