يطلق المفكِّر المعروف مالك بن نبي وصف (القوارض) على عينة في المجتمع انعدم ضميرها وتاهت قيمها وتراجعت مبادئها، تعيش بمبدأ (النفعية) البحتة وبالعقلية (البرجماتية) الوصولية، فالقوارض أشخاص لا يرقبون في أحد إلاّ ولا وذمة, فلا وازع يردع ولا ضمير يمنع.
ومن أخطر أنواع القوارض أولئك الذين يحاربون المخلصين ويحاولون الإيقاع بهم.
وهناك قارض لا يرى إلاّ مصلحته الشخصية ومصلحة المقربين له فلا يحترم مبدأً ولا يهاب قانوناً.
وهناك قارض يعتدي على الممتلكات العامة ويبتلعها كما تبتلع اللقمة!
وهناك قارض يؤذي الخلق بتطاوله عليهم بل مستعذباً التسلُّط عليهم!
والذين يخالفون أنظمة الدولة ويثيرون المشاكل ويحرّضون الغرباء على أهلهم وحكوماتهم قوارض!
والحكومات التي تحاسب الصغار وتقيم لهم المشانق وتتغافل عن العتاة من اللصوص، هي من أخطر أنواع القوارض!
ومن القوارض المدير الذي يكيد للموظف المتميز وينصب له الحبائل.
ومنها تلك البيئات التي تجهض المبادرات وتتربّص بالقدرات.
ومنهم ذلك القاضي الذي يتكبّر على الخلق ويتجبّر عليهم وينظر إليهم باستعلاء ويعطِّل مصالحهم ولا يحفل بمشاعرهم.
ومنهم الضابط الذي يرى نفسه فوق البشر تراه يسير كأنما سيبلغ الجبال طولاً، ولا يرى أحداً أقوى منه لذا هو لا يتورع عن الظلم ولا يستنكف على الإساءة.
ومنهم المعلم الذي يتفنّن في احتقار الطالب ويجتهد في تحطيم شخصيته بالسخرية منه ويقدم نفسه كأنموذج سيئ وقدوة غير صالحة .
وهناك فصيلة من القوارض يرون أنفسهم فوق النظام وأعلى من القانون لكونهم ينتسبون للعائلة الفلانية، فتجدهم يرتكبون العظائم ويقترفون المآثم ويتجرؤون على الجميع ولا يقيمون وزناً لأحد.
ومن القوارض أصحاب الأقلام المهترئة والألسنة المتسخة والقلوب السوداء أظلمت أرواحهم فأظلمت أقلامهم, لا همّ لهم إلاّ النّيل من أصحاب الفضل والتشكيك في الثوابت.
ومن القوارض من اتكأوا على نفوذهم ومحسوبيتهم فحوّلوا المنظمات والمؤسسات التي يديرونها إلى شركات خاصات بهم وإقطاعيات خصّوا أقرباءهم بأهم المناصب.
وأعلى مراتب هؤلاء القوارض الذي يتجاوز ضرره نفسه إلى غيره وقد تجلّت أقبح صورة لهؤلاء القوارض الذين يعبثون بأرواح العباد ومصالح المجتمع، ومن نماذجهم المتسببون في (كارثة جدة).
إنّ ما يغري هؤلاء (القوارض) على الخروج على الأنظمة وتجاوز الحدود، هو غياب الضمير الأخلاقي والوازع الديني، وغياب القوة الدافعة المعينة على إرساء قوانين أخلاقية تعلي وتثمّن من قدر النزاهة، وتجرِّم الخروج على النظم والقوانين السارية، ومما ساعد على تكاثر هؤلاء القوارض هشاشة التربية ولين العقوبات الرادعة وندرة القدوات التي تقدم نماذج رفيعة في الاستقامة، إن المجتمعات التي تسمح بانتشار وتكاثر القوارض فيها تجني علقماً وتحصد شوكاً حيث النّيل من المبادئ واغتيال الثوابت، وننتظر جميعاً أن تطهر البلاد من هؤلاء القوارض، وأن يسحبوا من جحورهم ويؤدّبوا على ما اقترفوا من جرائم وارتكبوا من خيانات لدينهم ووطنهم!
ومضة قلم: قد لا يمنع الضمير المرء من ارتكاب الخطأ, إنه فقط يمنعه من الاستمتاع به!!
khalids225@hotmail.com