ما كان ينتظره كثير من اللبنانيين، ومعهم أغلبية من العرب ومن محبي لبنان، بصدور القرار الاتهامي بحق الذين ارتكبوا جريمة اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري ورفاقه من وزراء وصحفيين وسياسيين، تم أمس الخميس؛ حيث سلمت الحكومة اللبنانية القرار الاتهامي بداية إلى المدعي العام اللبناني ومن ثم رئيس الحكومة، وأصبح على الحكومة اللبنانية تنفيذ بنود هذا القرار الذي يستند إلى بنود القرار الأممي الذي أُنشئت بموجبه المحكمة الخاصة بلبنان، والذي أُصدر وفقاً للبند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يجيز للمنظمة الدولية طلب استعمال القوة لتنفيذ ما تتخذه المحكمة الدولية.
القرار الاتهامي بداية لإحقاق الحق، ومثول من شملهم قرار الاتهام أمام المحكمة سيُظهر الحقيقة، فإن كانوا أبرياء بُرِّئت ساحتهم والجهات السياسية التي ينتمون إليها، أما إذا حصل العكس فإن المجرم الذي كان وراء ارتكاب جرائم الاغتيال السياسي في لبنان يجب أن ينال جزاءه.
والشيء الذي يجب أن يأخذ به الإخوة اللبنانيون هو ألا ينعكس فعل واتهام أشخاص محددين جاء ذكرهم في القرار الاتهامي على أنه اتهام للجهة السياسية حزباً أو دولة وحتى مؤسسة، أو على أنه قرار سياسي ضد ذلك الحزب أو تلك الدولة.
ونحن بانتظار ما ستُظهره جلسات المحكمة الدولية من حقائق، ويُعَدُّ المتهمون الذين تورد أسماؤهم مجرد أشخاص متهمين، يحاكَمون بصفتهم الشخصية، ولا علاقة لانتماءاتهم السياسية بما ارتكبوه من جرائم إن ثبت ذلك، كما أنه لا يمكن اعتبار فعلهم - إن ثبت بالقرائن المؤكدة - توجُّهاً سياسياً لحزب أو دولة ما، ما لم يتأكد ذلك في المحكمة بوثائق وبقرائن لا يمكن دحضها أو تكذيبها.
المهم أن لبنان أمام منعطف تاريخي في تعامله مع هذا القرار الاتهامي وبالتالي مع المحكمة الخاصة بالجرائم السياسية التي ارتُكبت على أرض لبنان، ومن المهم كذلك أن يكون التعامل حصيفاً ونابعاً من المصلحة اللبنانية العليا والوطنية الخالصة، دون أن يقوم أي طرف بالدفاع عن جهات أو أطراف أرادت تحويل لبنان إلى ساحة اغتيالات، وألا يُتاح لتلك الجهة أو ذاك الحزب الإفلات من العقاب عبر تقاضٍ دولي سيُطبَّق مهما حاول البعض وضع العراقيل أمامه.