لبنان الذي أهدى لنا الانفتاح منذ سنوات طوال بدأ اليوم منكّلاً في نفسه، و جالداً لها، حين بدأ يضيّق الخناق على الإبداع بإلغائه عروضاً سينمائية، بعد أسبوعين فقط من تشكيل حكومته الجديدة، بل إنّ القادم أكثر خوفاً من اليوم.
الأبواب اليوم توصد باباً بعد آخر، والثقة بدأت في طريقها لتصبح معدومة بين المثقفين والساسة وحرية الرأي، في بلد عُرف عنه تشعُّب ثقافاته وقبوله بكل ثقافة تأتيه من أي مكان، وربما اليوم بدأ الناس يخافون قول ما هو مخالف للسائد.
لا نريد للبنان أن تغلق منارتها ونظرتها للمستقبل والواقع، ولا نريد لبلد طالما اعتبرناه مكاناً آمناً للإبداع، أن يمنع أبناءه ومحبيه بارقة الأمل التي يصبون إليها.
لا نريد لبيروت أن تتحوّل إلى ضاحية أخرى، ولا مكتباً تمثيلياً للملالي، نحن لا نريد لواحاتها الخضراء أن تتحوّل (كما تفعل اليوم)، إلى قمصان سوداء تحجب خلفها النور وتستبدلها بالعتمة، باعتقادي أن لبنان ليست حديقة خلفية لإيران، وحزب الله (الناطور).
من الخطأ النظرة للفن والثقافة بمنظار السياسة، وهذا (للأسف) ما يحدث اليوم، فالثقافة هي ملك للشعوب ولا علاقة لزواريب الدوائر السياسية بها، ولا حتى التعاطي معها لا من بعيد ولا قريب، وبيروت اليوم أخشى عليها أن تطفئ آخر شموع حضارتها في الوقت الحالي، وربما يتوقف نموّها حتى إزاحة السواد عن كاهلها.
أكتب عن لبنان وأنا معني به بطريقة أو بأخرى، وغيري كثر يقاسمونني هذا الشعور، حتى وإنْ اختلفت الرؤية، لكننا اليوم أمام مشهد مخيف يمشي بسرعة كبيرة، لتدجين العقول وقوقعتها حول نفسها، واستبدال الإبداع بشعارات سياسية لم يَعُد لها اليوم مكان، فقد سئمنا جميعاً من مقولة «سنرمي إسرائيل في البحر»، والشعب يريد أن يجد نفسه، والثقافة لا يجب أن تصطدم بحواجز فئوية طائفية غرست ذيلها في أحشاء بيروت.
أود هنا أن أسترجع ما كتبه الأديب صالح سعيد الزهراني في قصيدته حين قال:
لم تسقط بيروت
حين تريد الأفكار الحيّة أن تحيا
يصبح أنبل ما في الدنيا الموت
لم تسقط بيروت
عن أوجه أفّاقي الدنيا سقطت أوراق التوت
اللقمة كانت أكبر
من فك الحوت
m.alqahtani@al-jazirah.com.sa