التغيير، أو الثورات، ما أسبابها؟ كيف بدأت؟ إلامَ انتهت بالمجتمعات؟ تجارب مختلفة للشعوب في هذا السياق جديرة بالالتفات. نحن نهتم بذكر الأسباب، ونشير باقتضاب إلى البدايات، ونلجأ إلى التعليل والتبرير من غير وعي، أو تعقّل أحياناً. نتجاهل -مع الأسف- تقييم نتائج حركات التغيير العالمية، وإن تناولناها تناولنا زاوية ضيقة منها، لا تمثل شيئاً في نتائج التغيير، ربما لأن الضحايا كثر، والنتائج مخيبة أحياناً.
الشيء الذي أجزم به أن أي مؤرخ معاصر لهذه الحركات يندر أن يؤرخ لمرحلتين في آن واحد، قبل التغيير وبعده، وهذا يعني أن نتائج الثورات لا تأتي سريعة، بل تحتاج إلى عقود من الزمن.
الدقة، أو الإنصاف في رصد الوقائع نسبية، لأن كل مجتمع من المجتمعات، أو شعب من الشعوب يتكون من طبقات مختلفة، وفئات متعددة، ومستويات متباينة، هذه سنة إلهية، اقتضتها حكمة مدبّر هذا الكون، وسيظل هذا التباين قائماً إلى قيام الساعة، وأخطر ما في هذا التباين، أو التفاوت، حين تفسر الظواهر أيّاً كانت من منظار فئة محددة، وتحاكم مفاصل التاريخ وفق ذلك الرأي، أو التفسير، ومن هنا يبدأ التضليل، وتختلط الحقائق بالأباطيل. وقد يتفق الأغلبية أن التاريخ المعاصر، ولأسباب مختلفة يبدو أكثر شفافية ووضوحاً، وحرية ومصداقية عمَّا قبله، فتقدم وسائل الاتصال وتطورها، وقدرتها الفائقة على تقصي الحقائق والنفاذ إليها أسهمت في إيجاد هذه الميزة التي ربما افتقدها المؤرخون القدامى.
هناك مفاهيم خاطئة أن التغيير، أو الحركات الثورية ستقود واقع المجتمعات إلى واقع أفضل، أو على الأقل تبني هذا التصور على أنه من المسلمات، ولهذا وجدنا في (مصر، وتونس) بدأت تظهر بعض الأطروحات التي تتناول الثورات الفاشلة في العالم، وتبحث أسبابها، أو تشير إلى الفترات التاريخية الطويلة التي احتاجتها المجتمعات، والأنظمة الجديدة، كي تقف على أقدامها، وهو ما سبب إحباطاً لبعض الشعوب، أو منظري الثورات ممن يستعجل النتائج، ومهما يكن فإن تلك الأطروحات كانت بمثابة الرسائل القوية للشعوب الثائرة، أو التي ترقب أوضاع تلك التغييرات.
هناك مفاهيم خاطئة أن التغيير لا يكون إلا بالقوة، أو لا يتحقق إلا على أسنة الرماح، كما يقال، رغم أن هناك حركات لم تستهدف أنظمة حاكمة على الإطلاق، جنبت الشعوب ويلات الحروب ومآسيها، وكانت أكثر قدرة على التغيير، وأعنف من الحركات المسلحة في أثرها، وحالفها النجاح في تطوير فكر المجتمعات والشعوب. هذه الحركات السلمية قد تصنع وتترعرع في بيئات متقدمة، وفي مجتمعات أكثر رقياً، وهذه في الغالب لا تعيق التنمية المستدامة للمجتمعات، لكن هذا النمط من التغيير يكون نصيبه التجاهل ولا يحفل به المؤرخون، لاختلاف دوافعها، وسمو أهدافها، خلافاً للحركات المسيّسة، فهل نعود للاطلاع والقراءة في تاريخ الثورات الفاشلة؟
dr_alawees@hotmail.com