لدينا خطوط جوية وخطوط حديدية وخطوط برية وخطوط بحرية للبضائع فقط، غير أن الخطوط الجوية لقيت ولا زالت تتلقى شتى أنواع العتب والنقد رغم أنها المؤسسة الخدماتية في قطاع النقل التي تجتهد بشكل لافت للنظر في الرقي بخدماتها وتطوير أدائها.
ومع هذا فإن الخطوط الحديدية التائهة في صحاري الدهناء لا أحد يلتفت لها اليوم وكأنها شيئا من التراث الخالد المحفوظ للعرض وليس الاستخدام، كما أن شركة النقل البري هجرت المدن وزحامها واتجهت للاستثمار بين المدن عبر الفيافي والقفار دون حتى أن تهتم بحال المسافرين وحاجتهم للاستراحات الصالحة للاستخدام البشري أو حتى فتح المجال للمؤسسات المحلية والأفراد بتوفير وسائل نقل داخل المدن، كما أن النقل البحري غير موجود أصلا إلا للبضائع وكأن السفر عبر البحر لكثير من المواطنين والمقيمين ترف استثماري فائض عن الحاجة رغم حيوية الاستثمار ومنفعته الاقتصادية لو ربطت موانئ المملكة مع موانئ بعض الدول العربية والإسلامية المجاورة، خاصة وأن السفر بين السعودية ومصر والسودان وإريتريا والصومال وحتى إيران وباكستان والهند وسيرلانكا يعتبر نشطا جدا وحيويا ومفيدا، ومع هذا وبكل أسف تتاح للمؤسسات الأجنبية العمل في هذا المجال ولا يتم تشجيع المؤسسات الأهلية والأفراد على الدخول في هذا النشاط، هذا إن كان يسمح لهم أصلا، ولو نظرنا إلى ميناء ضبا على ساحل البحر الأحمر وكيف تدب الحركة والنشاط فيه عبر مؤسسات مصرية للنقل البحري حتى ليتخيل المرء وهو في أحد الموانئ السعودية أنه فعلا في مصر فالمواطن هناك مثل الغريب بشكل موجع، فأنت تبتدئ بمكاتب السفر المصرية في كل شيء بما في ذلك مقاهي الأرجيلة المحيطة به والفندق والمطاعم ولن ترى السعودي أبدا إلا في مكاتب الجوازات والجمارك محاطين بالعمالة المستوردة.
وعودة إلى الخطوط الجوية التي لو قسنا حجم نشاطها بالمؤسسات الأخرى في قطاع النقل فإننا سنجد أنها تفوق وبدرجة كبيرة غير قابلة للمقارنة في خدماتها غيرها من المؤسسات المحلية في هذا القطاع، وإذا قيل إن هذا يفيدها استثماريا إذ إنها بمثابة وسيلة النقل الوحيدة المتاحة للمواطن والمقيم إلا أن ذلك أيضا يعني كبر حجم المسئولية وتضخمها مما يسمح بظهور الأخطاء والقصور في كثير من الأحيان، ولهذا تنال نصيب الأسد بل النصيب كله من العتب والنقد، مع أن درجة الأمان في هذه الخطوط مطمئنة ومحل اعتزاز وفخر، والعتب والنقد إنما يكون في تأخر بعض الرحلات أو ضعف الخدمات وأحياناً كسل بعض الموظفين وعدم الارتقاء في سلوكهم مع المستفيدين بشكل مرضي، فخدمة سبعة وعشرين مليون وبشكل مكثف وحصري لا بد أن ينتج مثل هذا النقص والتقصير، وإن أضفنا إليه تبعية المؤسسة إلى القطاع الحكومي وكثرة تنقل المسئولين في الدولة وأصحاب التميز بين المدن بما يستدعي ذلك من استثناءات قد تعيق جدولة العمل فإنه يصبح من الطبيعي جدا ظهور الأخطاء والقصور وإن كان على حساب الفرد العادي، وربما من هنا يرى البعض الحاجة والضرورة لإدخال بعض شركات الخطوط الجوية في مجلس التعاون لتدعيم المؤسسة المحلية بشكل يتيح للمواطن فرصة كبيرة للتخلص من أخطاء وقصور خطوطنا المحلية، وهذا في اعتقادي ليس الحل بل هو بمثابة الضربة القاضية على خطوطنا الجوية.
الأمر يحتاج إلى تنشيط وسائل المواصلات والنقل الأخرى والاهتمام بها لتصبح أداة النقل قليلة التكاليف، مما يتيح للخطوط الجوية رفع مستوى خدماتها واستثمار أسطولها الجوي بالشكل الأمثل ويتيح لها منافسة الآخرين في الانضباط والجودة، وساعتها يمكن أن تتاح الخدمة للآخرين للتنافس على إرضاء المواطن والمقيم في الرحلات الداخلية، لتصبح خطوطنا الجوية قادرة فعلا على استثمار الرحلات الدولية بشكل أفضل وتحقيق إيرادات أعلى، بل وسيتيح لها التنافس المريح للاستحواذ على محطات السفر في منطقة الخليج والجزيرة العربية وربما الشرق الأوسط، مما يساعد على خصخصتها وتحويلها إلى شركة مساهمة، وعندئذ ستتخلص من استثناءات التميز لبعض الفئات الاجتماعية وتصبح بالفعل قادرة على أن تكون هي الناقل الجوي الأول على مستوى المنطقة وربما منافس قوي على مستوى العالم.
hassam-alyemni@hotmail.com