في بداية دراستنا ترسخ في مفهومنا أن المملكة العربية السعودية ليست مجرد دولة، بل هي أشبه ما تكون بـ«القارة» نظراً لترامي أطرافها وتعدد مدنها وقراها، وموروثها التاريخي، وبها الكثير الكثير من المناطق الأثرية التي أجزم اليوم أنها مغيبة تماماً بسبب ضعف التسويق الإعلامي لها، في الوقت الذي تحوّلت السياحة لدينا من ترفيه إلى «صناعة» قائمة بحد ذاتها.
ما سبق أعلاه وأشياء أخرى كُثُر جعلتني اليوم أتحمّس لأنصب خيمة مقالي هنا أمام صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار الذي شاهَدَ السعودية من الفضاء، ويأخذ اليوم على عاتقه تطوير واحتضان ما تجاهلناه سنوات طويلة، إنه اليوم - للأسف - يدفع وحده ثمن ما فعلناه بأرضنا، ولذلك أود أن أقول له:
لا أريد أن أعدّد القرى الأثرية والأطلال التي تحتويها أرض السعودية من شمالها وحتى جنوبها وبين باعيها، لكن هذه القرى والآثار معطّلة تماماً في الجانب الدرامي السعودي الذي يشد رحاله عادةً إلى سوريا والأردن ومصر وغيرها لتصوير مسلسل يتحدث عن حقبة زمنية سابقة، لكنني (ربما) لم أسمع أن أحداً صوّر مسلسله في أخدود نجران أو قصر المصمك أو مدائن صالح أو قرية آل الخلف أو نحوها
لماذا لا يتم الاجتماع مع الزملاء في جمعية الفنانين والمنتجين السعوديين وسؤالهم عمّا يمكنهم فعله وتقديم مرئياتهم واقتراحاتهم في هذا الجانب، وربما كانت هذه نقاط إيجابية تشترطونها عليهم وفق آليات (ملزمة) كالمحافظة على أماكن التصوير (المحافظة تعني كل شيء)، مع تعهدهم بإبراز جوانبها الإيجابية، ولا أظنهم إلا مرحبين بالفكرة.
هذه المناطق الأثرية ثروة يتمناها صنّاع الدراما في الوطن العربي لاستغلالها كما يجب، بل إنني أعتقد (ولا أريد أن أذهب بعيداً)، أقول أعتقد بأن لدينا آثاراً ليست متوافرة لدى بلدان أوروبية، ولو كانت عندهم لاستُخدمت في أفلام كثيرة، أعتقد أن اقتراحي هذا له علاقة مباشرة أو غير مباشرة بتوطين الآثار والتراث العمراني، ليكون مثلما قلتم مؤخراً جزءاً من الحياة لا جزءاً من الذكريات.
في المقابل أستغرب ألا تستعين هيئة السياحة بنجوم الفن في السعودية للترويج لبرامجكم السياحية التي لا أرجو لها إلا النجاح وخصوصاً أنا أقرأ وأشاهد جهودكم الحثيثة وجولاتكم المكوكية إلى مناطق أعترف بأنني لم أكن أتوقع وصولكم إليها.
إن نجوم الفن من غناء وتمثيل بحاجة إلى التفاتة لهم، وبرامجنا السياحية وآثارها هي الأخرى تنتظر منهم دعوة الجمهور لها، هذه معادلة لا أظنها صعبة ولا أعتقد بأنها لا تسترعي انتباهكم، في بلدان الدنيا يتم الاستفادة من نجوم الفن والكرة والمشاهير.
ما شجعني على الكتابة في هاتين النقطتين هو حماسكم الكبير ورؤيتكم البعيدة والثاقبة للأمور، كما أقرأ دائماً في تصريحاتكم أماني كبيرة وأحلاماً ليست مستحيلة و(عتباً) على البعض، أكتب اليوم بعجالة و أرجو أن يصيب سهمي هدفه.
قدرك - يا سمو الأمير - أنَّك اليوم على قمة قطاعين لا ينفع معهما قاعدة (للبيت رب يحميه)، بل هما قطاعان (جماعيان) يتكاتف معك حولهما الجميع، ومن الخطأ أن (أشعر) أنك تسير وحيداً، فيما نحن جميعاً أو أغلبنا منصرف فيما يراه مناسباً، ثم نبدأ في التنظير والتأفف، ليس لشيء ولكن لأننا نتكدس هذه الأيام في صالات الرحلات الدولية، وربما كتب بعضنا من شرفة فندق فخم قبل أن يستقل باصاً ليشاهد معلماً تاريخياً في أطراف الدنيا، بل إن بعضنا قد تعتَّق في خابية (السلبية)، فلا يُفيد برأي ولا يتحفنا بالسكوت.
m.alqahtani@al-jazirah.com.sa