توقع عقاريون أن يُحدث قرار نقل مدينة الملك عبدالله الرياضية في محافظة جدة تأثيراً كبيراً على المنطقة المحيطة بالموقع الأول، الذي صُرف عنه النظر لأسباب مُرتبطة ببعد المسافة، وربما التكلفة الأولية المُبالغ في تقييمها. جريدة «الشرق الأوسط» نقلت عن مختصين في القطاع العقاري، توقعهم بأن تشهد أسعار العقارات في تلك المنطقة إنخفاضاً حاداً تتراوح نسبته بين 40 و60 في المائة!.
القرارات التنموية تؤثر إيجابا على المناطق المستهدفة، في الوقت الذي تُضيف فيه جاذبية المشروعات، وأهميتها؛ إلى العقارات المحيطة؛ قيمة لم تكن لتحصل عليها لو لم تُستهدف بالتطوير، إلا أن التُجار يعمدون في الغالب إلى تضخيم بعض القرارات التنموية، بهدف رفع أسعار عقاراتهم، وتحقيق مكاسب خيالية على حساب الآخرين؛ في الوقت الذي يُساعد فيه صغار المستثمرين، التُجار في تحقيق أهدافهم، بتصديقهم الشائعات، وتوقعات المسوقين المشبوهة التي تصب في مصلحة التجار.
المعلومة الدقيقة، قد تُحدث الفارق في الاستثمار العقاري، ومن هنا نُطالب دائما بعدم التسرع في الإعلان عن المواقع المستهدفة بالمشروعات التنموية ما لم يُحسم أمرها، وتطبيق العدالة التامة في إيصال المعلومة لجميع المواطنين في وقت واحد، وبما يحول دون استغلال القلة لمعلومات من الداخل لتحقيق مصالح مستقبلية على حساب الآخرين. الإثراء بناء على معلومات غير متاحة للآخرين مُحرم شرعا، وقانونا، وهو نوع من أنواع الفساد الذي يجرمه القانون.
ما حدث لعقارات جدة المحيطة بمشروع المدينة الرياضية، حدث للعقارات القريبة من مشروع «أرامكو داو» للبتروكيماويات في «رأس تنورة»، حيث أدى الإعلان عن موقع المشروع المشترك إلى ارتفاع كبير للأراضي القريبة من المشروع؛ إلا أن نقل المشروع إلى مدينة الجبيل الصناعية تسبب في تدهور الأسعار بشكل دراماتيكي، وتسبب في خسائر موجعة للمستثمرين الذين اتخذوا قراراتهم الاستثمارية بناء على المعلومات الرسمية الموثقة.
ربما كان المستثمرون مُخطئين في تقييم حجم الانعكاسات الإيجابية للمدينة الرياضية على المنطقة الحاضنة، ومتسرعين في اتخاذ قراراتهم الاستثمارية بناء على معلومات أثبتت التجارب السابقة عدم دقتها، إلا أن مُستثمري المنطقة الحاضنة لمشروع أرامكو داو الضخم لم يكونوا كذلك البتة، ومع ذلك تعرضوا للمخاطر، وهي مخاطر يمكن تحييدها بثبات الخطط التنموية وفق ما أُعلن رسميا، إضافة إلى اتخاذ المستثمرين القرارات الحصيفة التي تأخذ في الحسبان المخاطر التنظيمية المتوقعة.
الانعكاسات السلبية على المستثمرين في المنطقة الحاضنة للمدينة الرياضية، قابلتها انعكاسات إيجابية على المشروع من جانبي التكلفة الكلية، والتشغيل. فالأرقام الفلكية المُسربة لقيمة المشروع حَمَلت أكثر المتحمسين لإنشاء المدينة الرياضية، للمطالبة بوقف المشروع لأسباب مرتبطة بكلفته الخيالية، وحجم الهدر الذي ستتحمله ميزانية الدولة، وهو هدر قد يحرم مناطق أخرى من مشروعات مماثلة بسبب الكُلفة العالية. لذا أعتقد أن تحويل الموقع والاستفادة من الأراضي الحكومية في إنشاء المشروع ستوفر الكثير على ميزانية الدولة، وإذا ما أحسن القائمون على المشروع احتساب الكُلفة العادلة، فسيسهمون في خفض التكاليف، وسيشجعون مُتخذ القرار لبناء ملاعب أخرى في مناطق ومدن المملكة الرئيسة الأكثر حاجة للملاعب الرياضية. أما تشغيل الملعب، فقربه من المناطق المأهولة سيساعد كثيرا في الحضور الجماهيري، خاصة وأن الأطفال، والمراهقين يمثلون شريحة مهمة من مرتادي الملاعب. الأثر الإيجابي الأخير لنقل ملعب جدة يكمن في استغلال الأراضي الحكومية المملوكة لوزارات الدولة في مشروعات حيوية مرتبطة بوزارة، أو مؤسسة حكومية أخرى، وهذا أمر غاية في الأهمية. تقاص الأراضي بين الوزارات يحقق المصلحة العامة، ويُسرع في إقرار المشروعات وتنفيذها؛ فكم من المشروعات المتوقفة بسبب نقص الأراضي، وارتفاع تكلفة نزع الملكيات أو الشراء؛ ومنها مشروعات المدارس والمستشفيات؛ في الوقت الذي تُعاني فيه بعض الوزارات من تخمة في ملكية الأراضي الحكومية غير المستخدمة. بقليل من التنسيق، ووضع أسس لتقاص الأراضي بين الوزارات والمؤسسات، يمكن أن تمضي الحكومة قدما في تنفيذ مشروعاتها التنموية، بما يحقق المصلحة العامة، خفض التكاليف، أماني المواطنين، وتطلعات ولي الأمر.
f.albuainain@hotmail.com