حسناً لقد استبشر العالم الديمقراطي كله بقيام ثورات عربية مفاجئة وعارمة هزَّت أربعة أنظمة ديكتاتورية يحكمها جنرالات يملكون قبضات فولاذية قبضت على رقاب شعوبهم، بل (دفعت) رؤوس تلك الشعوب المغلوبة على أمرها (على النافوخ) تماماً حتى لا ترتفع ثانية وترى ما يدور حولها من تقدّم حضاري وحريات تتمتع بها أغلب شعوب العالم إلا شعوبنا المسكينة (المستكينة) لعدة عقود من الزمن من أثر تلك القبضة و(الدمغة) معاً.. ولكن تلك الرؤوس المطأطأة ارتفعت فجأة لتعانق الغيم وارتفعت معها قبضات الشعوب (الحريرية) التي لا تطالب سوى بالحرية والخبز ورحيل الطغاة.. وبالطبع استبشر كل إنسان يعيش على وجه هذه الأرض بهذه الوثبة المفاجئة التي هزّت كراسي الطغاة. ولكن كل هذه البشرى يبدو لي أنها بدأت بالتراجع والشك إن لم نقل بالخيبة أيضاً. وذلك لأن الشعوب العربية الثائرة التي أجبرت بعض حكامها على التنحي والرحيل ما زالت تثور وتثور على كل شيء حتى أخذت تثور على نفسها ولم تقدّم ولو بصيصاً من الأمل بعد رحيل الحكام إياهم. أما الثوار الذين ما زالوا (يجالدون) من أجل رحيل الطغاة فقد خاضوا هم ومؤيّدو الحاكم على حد سواء ببحر من الدم الوطني البريء حتى كادوا أن يغرقوا بلادهم بالدماء الأمر الذي يجعل كل من استبشروا بالتغيير يعيدون النظر بهذه الثورات (التي لم تحقق حتى الآن سوى الغوغائية والفوضى والشلل العام في أوطانهم على مختلف الأصعدة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، بل حتى شل حياة الإنسان العادي الذي لم يعد يعرف كيف يطعم أولاده الخبز إلا من خلال «استغلال» تلك الغوغاء)!
وهنا يصبح الخبز قبل الحرية، بل نخشى أن يتمنى الإنسان البسيط عودة تلك الأنظمة التي كانت على الأقل توفر له الأمن (القمعي) والعمل (المضني) الذي يوفر له ولأولاده لقمة الخبز حتى ولو كان هذا الخبز حافاً.