كتبنا في مقال سابق عن ظواهر عقلية متعلقة بالوقت، وكيف أن العقل يخدع صاحبه أحياناً فيقصّر الوقت أو يمطه، ونكمل اليوم بقية العوامل، ونبدأ من حيث انتهينا:

(4) كبح المشاعر: عندما يقوم الشخص بمحاولة تغيير شعوره تجاه شيء ما فإن هذا يزيد الوقت طولاً، فقد قام باحثون عام 2003م بتقسيم متطوعين إلى فريقين وطلبوا منهم مشاهدة فيلم يحوي مشاهد مؤلمة، فالفريق الأول كان عليهم أن يكتموا مشاعرهم ويحاولوا أن يكونوا محايدين قدر استطاعتهم، أما الفريق الثاني فكان يمكنهم أن يبكوا وينفعلوا ويتصرفوا كما يريدون، وبعد انتهاء الفيلم كان الفريق الثاني لم يشعر بتغير في الوقت، أما الفريق الأول والذي كتم مشاعره عند المشاهد المحزنة فشعروا أن الوقت مضى أطول بكثير، وخرج الباحثون بنتيجة أن من يحاول كبح وكتمان مشاعره وكذلك من يحاول تقويتها والمبالغة فيها كلاهما سيشعر أن الوقت قد طال.

(5) تأثير العمر: يتردد كثيراً شعور أن الوقت يمر بسرعة إذا كان الشخص أكبر عمراً، فالعطلة الصيفية مثلاً يمكن أن تمر وكأنها سنة كاملة إذا كان الشخص في الخامسة عشرة من العمر، بينما نفس العطلة تبدو كأنها أسبوع لشخص في السبعين من عمره، ويعتقد البعض أن السبب هو أن الشخص في طفولته وشبابه ينتبه أكثر للتجارب الجديدة مما يجعل الوقت يبدو طويلاً، أما إذا كان مسناً فقد رأى معظم الأشياء في الحياة ولا تجارب كثيرة تبدو له جديدة، فيمر الوقت بسرعة، وهذا توقع، غير أن هناك بعض الدراسات النفسية التي تثبت أن الوقت فعلاً يمر بشكلٍ أسرع في عقل من هم أسن من غيرهم، ووجد الباحثون أن الذين في العشرينات من أعمارهم استطاعوا تخمين الوقت بشكلٍ سليم لما طلبوا منهم تقدير 3 دقائق دون استخدام ساعة، أما من هم في الستينات من العمر فقد حزروا أن الوقت أسرع بنسبة 20%.

(6) لا تحزن: المشاعر السلبية تمط الوقت كثيراً. هذا ما وجده علماء درسوا أوضاع بعض المصابين بالسرطان والاكتئاب و حتى أناس ليسوا مرضى ولكنهم عرضة للملل السريع والمتكرر، ووجدوا أن مشاعر الحزن والأسى والملل تجعل العقل يمدد الوقت، وهذا مشابه لما ذكرناه في النقطة الأولى في المقال الماضي عن المواقف الخطرة، ويمكن أن تزداد المشكلة عندما يحاول الشخص كتمان هذه المشاعر، وهذا ما رأيناه في الأعلى في النقطة الرابعة.

(7) الدنيا نار!: أيضاً من الحقائق المثيرة للاهتمام التي اكتُشِفت عن العقل وعلاقته بالوقت هو ما وجدته جامعة مانشستر عام 1995م، وهو أن ارتفاع الحرارة يمط الوقت، وهذه يدركها من يصاب بحمّى، فتبدو الدقيقة كأنها دقيقتان، والعكس صحيح، فعند انخفاض درجة الحرارة فإن إحساسنا بالوقت ينعكس ويبدو الوقت أسرع.

(8) الاختلاف سنة الحياة: الناس يختلفون. الوقت ليس هو نفسه لكل الناس، فلكل شخص إيقاع معين، فمن تجدهم كثيري الحركة سريعي العمل لا يكادون يستقرون فإن الوقت في عقولهم سيمضي أسرع، والذين تجدهم أبطأ وتيرة من ذلك فإن الوقت يتناسب مع إيقاعهم ويبدو أبطأ، وهذه أكدها بعض البحث، مثل دراسة نُشرت عام 1977م كان فيها المتطوعون يسمعون صوت إيقاع يزيد وينقص، وطلب منهم العلماء تحديد الإيقاع الذي ارتاحوا نفسياً معه، وهنا تباينت الإجابات كثيراً، فالبعض قال إن الإيقاع بمعدل 40 ضربة في الدقيقة كان هو الأفضل، وغيرهم قالوا إن معدل 200 ضربة في الدقيقة هو ما ارتاحت أنفسهم لسماعه.

ختاماً، فإن القول الفصل هنا هو ما قاله أحد العلماء، فيقول: «ضع يدك على النار لدقيقة وستبدو الدقيقة كأنها ساعة. تفسح في جنةٍ جميلة لمدة ساعة وستبدو الساعة كأنها دقيقة».