تُشير كل الدلائل، إلى أن التعبير عن حرية الآمال، والتطلعات، تتطلب المهارات الحوارية اللازمة؛ للتواصل مع الآخرين، والتفاعل معهم. وأعتقد: أن هذا الأمر، لا يتم إلا من خلال تعزيز ثقافة الحوار، ومهاراته لدى أفراد المجتمع. بل إن أهمية الحوار، تبرز باعتباره إحدى أدوات الاتصال الفكري، والثقافي، والاجتماعي، التي تتطلبها الحياة المعاصرة، كعرض وجهة نظر ما، ومعرفة ما لدى الآخرين من وجهة نظر. وهو في ذات الوقت، يمثل أصح الخيارات، باعتباره أحد الركائز الأساسية، إن لم نقل أفضلها؛ لتكون العلاقة بين مكونات النسيج الاجتماعي، في إطار من الاحترام، والشفافية، والوضوح؛ للوصول إلى نتائج أفضل.
إن قبول الآخر، لا يعنى بالضرورة اقتناعي برأيه، فللكل الحق في اتخاذ التصور الذي يراه، وإنما هو إقرار بوجود رأي آخر. فالاختلاف سنة كونية، يطبعه النقد. بل هو جزء من حال التعدد في الكون - كله -، فالكون لا يسود إلا بالتعدد، والاختلاف بين الآراء. - لذا - فإن احترام إنسانية الآخر، واجب شرعا. والعدل معه، علامة من علامة التقوى. كما أن قبولنا بالآخر، يحمل في طياته بعدا إيجابيا، يتمثل في تبني الحقيقة كما نراها، دون أن ندعي امتلاك الحقيقة - كلها -. فالحق لا يعرف بالرجال، بل يعرف الرجال بالحق.
قبل أيام فاجأتنا - صحيفة - عكاظ، في عددها رقم « 16369»، بتصريح للداعية الإسلامي - الدكتور - عائض القرني، قائلا: «إن لوثة عقلية أصابت استشاري الطب النفسي - الدكتور - طارق الحبيب، ولعلها عدوى من بعض المرضى»، مقترحا: «أن يبرك - الشيخ - عادل الكلباني على صدر الحبيب، ويرقيه بآيات قرآنية، عل الله أن يشفيه مما أصابه، فإن لم تنجح الرقية، فبشيء من الكي، مستشهدا بالحديث: «آخر العلاج الكي».
إذا كان الكلام «فاكهة المجالس» كما يقولون، فما أكثر الكلام الذي لا يُفيد؛ لأنني لا أعلم أين تقدير المصلحة من قول كهذا، وأنا أتذكر قول - الإمام - النووي - رحمه الله -: «اعلم أنه ينبغي لكل مكلف، أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام، إلا كلام تظهر المصلحة فيه، ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة، فالسنة الإمساك عنه؛ لأنه قد ينجر الكلام المباح إلى حرام، أو مكروه، وذلك كثير في العادة، والسلامة لا يعدلها شيء».
كان بالإمكان يا فضيلة السيخ، أن يُقال أفضل مما قيل لصاحب الرأي الآخر لو ضُبط الكلام، وتم توجيه الرسالة بكل هدوء، بالابتعاد عن النعرات المناطقية، أو القبلية، أو حتى الطائفية، التي تُحدث فتنة، أو خدشا في اللحمة الوطنية، أو فرقة بين أبناء الوطن. والعمل على تقوية النسيج الاجتماعي، والوطني، بعيدا عن لغة الإقصاء، أو التهميش المتعمد للبعض الآخر.
كما كان بالإمكان، التأكيد على تعزيز روح المواطنة بين جميع شرائح المجتمع، والانتماء لأرض الوطن، ودحض جميع الفتن التي تُحاك ضد بلادنا - مطلب ملح -؛ ليبقى وطننا معافى من فتنة مناطقية، أو قبلية، أو طائفية، وذلك وفق واجبات، ومسؤوليات ثابتة لا تتغير، بل ومتوافق عليها.
إن من تقدير الأمور، والنظر في العواقب، والمآلات، يقتضي أن نتبنى لغة هادئة، تعزز أبعاد الوحدة الوطنية، وجوانب المواطنة الصالحة، - لاسيما - وأن ثوابتنا الوطنية، يحكمها في المقام الأول مكون الدين، الذي ربط أوصالها، وقوى وشائج اتصالها، فكانت بحق المكون الأساس لهذه اللحمة. ثم ما يشترك فيه أبناء الوطن من تجارب تاريخية - سابقة وحالية -، أدت - بحمد الله - إلى تقوية اللحمة، واتحاد الصف، ووحدة الكلمة.
أعتقد، أن المرحلة التي يمر بها الوطن العربي - هذه الأيام -، مرحلة حساسة. تستدعي التركيز على أهمية المرحلتين - الحالية والمقبلة -، وإعداد خطابا يتماشى مع ظروف المرحلة الدقيقة، التي يمر بها العالم من حولنا. كما يتطلب أن نعمل معا؛ لترسيخ مساحات واسعة من الوعي، وتعزيزه، والعمل الجاد المشترك لما فيه خير البلاد، والعباد؛ للحرص على هذا الكيان العزيز.
كم نحن بحاجة إلى التجرد وعدم التشكيك، أو التسلط والاستبداد، دون الدخول في معارك إقصائية. وإشاعة جو من الدفء؛ لنتكامل في الفكرة والتخطيط والعمل، وننسق الهموم والبذل والعطاء، إذ ليس من مصلحة أحد - كائنا من كان - تغذية هذه الظاهرة، في ظرف دقيق تعيشه بلادنا.
drsasq@gmail.com