نجح دعاة الغزو والاحتلال الأمريكي من تقديم الاحتلال على أنه إنقاذ لشعب العراق من الحكم الدكتاتوري الذي كان يلصق بالنظام العراقي السابق، وكأنه النظام الوحيد في المنطقة الذي يمارس مثل هذا الحكم! وجرى تصوير قوات الاحتلال الأمريكي والبريطاني للعراق على أنها قوات تحرير، وتم تطريز هذا التصوير بوجود معارضين للنظام ضمن هذه القوات دخلوا العراق تحت عباءة التحرير، ودعموا الاحتلال بفتح الحدود أو تركها بلا حماية وخاصة مع إيران لتتدفق جموع من المليشيات شبه العسكرية التي اندفعت نحو المدن الكبيرة لتمارس النهب والسرقة وحرق المنشآت والوزارات المهمة، وتعرض العراق لأكبر سرقة في العصر الحديث حيث نهبت الوثائق والبنوك، وانتقم من كانوا يدعون «المظلومية» من كل الشعب العراقي الذي نُهب حتى تراثه الحضاري وتعرض المتحف الوطني الذي ضم أهم وأغنى الآثار التي تحفظ التراث الإنساني إلى السرقة والتدمير والتخريب، وتخصص بعض من أفراد القوات الغازية، أمريكيون وبريطانيون وعملاء في سرقة الآثار والوثائق السرية، ويكفي أن أحمد الجلبي يمتلك أخطر الوثائق الأمنية السرية، ويردد دائماً بأن السجل السري لكل السياسيين العراقيين في حوزته.
هذا التخريب والتدمير والاحتلال حظي بتأييد من تسمي نفسها بالمراجع الدينية، وما هي إلا رؤساء للطوائف المذهبية التي لم تكتف بالسكوت والصمت بل أصدرت «فتاوى» بعدم مقاومة المحتلين، ليشهد التاريخ الإسلامي ولأول مرة مرجعاً دينياً يؤيد احتلال بلاده، وإن كان لا يحمل جنسية العراق.
المهم، تعرض العراق لأحقر عملية احتلال شاركت بها طائفة مذهبية كانت تدعي المظلومية، فاتجهت لارتكاب الظلم ومارست أبشع أنواع القهر والاضطهاد ضد الذين تصدوا للاحتلال، ولأن أغلب أهل السنة تصدوا ورفضوا الاحتلال، والباقين لم يؤيدوه فقد تعرضوا للإقصاء والإبعاد ليصبحوا مواطنين عراقيين من الدرجة الثالثة، هذا إن كتبت لهم الحياة ونجوا من عمليات القتل الجماعي التي كانت ولا تزال تمارسها فرق الموت الطائفية.
jaser@al-jazirah.com.sa