|
الجزيرة - شيخة القحيز
أكد الأمين العام للهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة الدكتور: عبد الله بن عبد العزيز المصلح أن أكثر الوسائل الدعوية المعاصرة شهرة وحذباً وإثارة للحوار العلمي هو الإعجاز العلمي في كتاب الله وسنة نبيه الكريم. وأكد المصلح أنه لا تناقض البتة بين الحقائق العلمية الثابتة من جهة وبين النصوص القرآنية المتواترة وما صحت نسبته من الأحاديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، واعتبر ذلك من خصائص الكتاب والسنة من دون سائر الكتب السماوية المحرفة. ودعا الباحثين في الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة إلى الاهتمام بالضوابط العلمية للبحث في هذا المجال الحساس. محذراً في الوقت نفسه من التكلف في الاستدلال وإخضاع النصوص الشرعية للنظريات العلمية التي لم يثبتها العلم التجريبي بعد.
الإعجاز العلمي في القرآن والسنة أصبح حديث الأوساط العلمية والدعوية وأثار كثيراً من النقاشات والشبهات والردود.. فما هو الإعجاز العلمي، وما الفرق بينه وبين التفسير العلمي؟
- التفسير العلمي هو الكشف عن معاني الآية أو الحديث في ضوء ما ترجحت صحته من نظريات العلوم الكونية، أما الإعجاز العلمي فهو إخبار القرآن الكريم أو السنة النبوية بحقيقة أثبتها العلم التجريبي وثبت عدم إمكانية إدراكها بالوسائل البشرية في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذان التعريفان اعتمدهما المؤتمر العالمي الأول للإعجاز العلمي في القرآن والسنة قبل عشرين عاماً.
والفرق بين التفسير العلمي والإعجاز العلمي يتضح في أن الإعجاز العلمي خاص بما يتعلق بالتوفيق بين الحقائق الشرعية والحقائق الكونية والتفسير العلمي يتناول النظريات والإشارات الضمنية.
ما هو الرابط بين التفاسير العلمية والإعجاز العلمي؟
- شغلتني يومئذ فكرة الجسر الذي نحتاج إليه لترميم تلك الثغرة، وإزالة هذه الفجوة بين تعاليم دين كانت أول كلماته (اقرأ)، وأولى توجيهاته إلى العلم والتعلم، وبين منتجات حضارة ما كانت لتنهض إلا بما ورثته من إنجازات علماء المسلمين، في شتى العلوم الطبيعية والتجريبية، لنربط هذا الإنجاز بذاك الإعجاز، فإن يقيننا بأن ربنا ما فرط في الكتاب من شيء، بل كل شيء فصله سبحانه تفصيلاً، فهو يدفعنا للتأمل الهادئ المتعمق في آي الكتاب الكريم، لنبحث فيه عن المزيد وهو الذي لا تنقضي عجائبه ولا يبلى على كثرة الرد، وهذا التأمل ليس بمبادرة اجتهادية نتنقل بها، بل فريضة واجبة بالتدبر يذكرنا بها القرآن بين الفينة والفينة في مواطنه، ومن أفضال الله الغامرة علي أن وجدت من يشاركني هذه الفكرة بين سابق ولاحق مما أتاح لهذه الفكرة أن ترى النور ثم يقيّض الله لها مؤسسة ترعاها، ورجالاً يبذلون الوقت والجهد لإنجاحها، فقرت أعيننا بما تحقق ولا يزال ما نؤمله من ربنا أكثر والله أكبر.
بعد مضي كل هذه الفترة من العمل بالهيئة ما الذي تسعون إليه؟
- ما نسعى إليه الآن في هيئتنا أن تشيع فكرة الإعجاز بين جموع المثقفين من المسلمين لنحملها معاً، بين باحث علمي ومؤصل شرعي ومهندس زراعي وطبيب بيطري، وكل صاحب فكر بل كل صاحب فكرة، نعم ما نطلبه هو الفكرة كالخاطرة التي يتصيدها ابن الجوزي على مدار الساعة فأخرجت له هذا الكتاب القيم (صيد الخاطر)، لأنه وبلا شك أن الباحثين التجريبيين يعرض لهم في ممارسة أعمالهم من واردات بخصوص آيات الله في خلقه ما لا يعرض لغيرهم، وقد يفتح الله عليهم أثناء تلاوتهم لكتاب الله وأحاديث نبيه وأحكام شريعته ما لا يفتح لسواهم، لذا فنحن نذكرهم بأن هيئة الإعجاز هيئتهم جميعاً فليعتبروها محضن أفكارهم ومنبت غرسهم، يكفيهم فقط طرح الفكرة علينا مهما كانت بساطتها، شريطة عدم التسليم بصحتها قبل أن تمحص على بساط البحث المستفيض، ونحن في الهيئة مستعدون لبذل هذا الجهد من خلال كفاءات علمية متميزة في مجالي العلوم الشرعية والطبيعية، فها نحن نفتح الباب لكل باحث وسيجد في موقعنا على الشبكة العنكبوتية وفي مجلتنا وصحفنا كل سبل الوصول إلينا من هاتف وفاكس وصندوق بريد وعنوان للبريد الإلكتروني.
هل نفهم من ذلك أن الهيئة مستعدة لقبول كل فكرة، ودراسة كل بحث ومناقشة كل موضوع يتعرض لقضايا الإعجاز العلمي؟
- نعم نحن مستعدون لذلك مهما كانت الفكرة بسيطة، وحتى لو لم تكن دقيقة، فإنه لا يخفى على كل طالب علم أنه حتى الأفكار غير الصائبة تثري البحث العلمي بالجهد المبذول لتصحيحها، فنحن نوقن ابتداء بأنه لم يدفع صاحب هذه الفكرة لعرضها إلا رغبته المخلصة في خدمة دينه، والدعوة إليه من خلال ما تعلمه في تخصصه.
نجد علماء العلوم الشرعية غير متفقين على كل ما يتعلق بالإعجاز العلمي، بل هناك من يتفقد ويورد الاستدراكات العلمية على هذا الأسلوب، ما تعليقك؟
- هؤلاء الأخيار من العلماء لهم رأي آخر في قضية الإعجاز العلمي في القرآن والسنة لا نشك لحظة واحدة في حميتهم وحرصهم على دين الله وحبهم للدعوة إليه، ولكنهم فرقان.
الأول: لا يعارض في قضية الإعجاز العلمي من حيث الأصل ولكنه يرى كثيراً من الكتابات ممتلئة بالتعسف وجعل نصوص القرآن تابعة لا متبوعة ويراها مليئة بالأخطاء العلمية والمنهجية في تفسير القرآن والسنة فيرفع راية الرفض للإعجاز العلمي في القرآن والسنة من باب سد الذريعة.
ونحن نقول لهذا الفريق إننا معكم في الحذر من القول في كتاب الله والسنة بلا علم؛ بل ونعمل على تقويم المعوج وتصحيح الخطأ وهذا ما نهضت من أجله الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة فأصدرت كتابين تأصيليين يوضحان القواعد العلمية والمنهجية للبحث في الإعجاز العلمي، لذا فإننا نوجه إلى هؤلاء الدعوة لنضع أيدينا بأيديهم في هذا الطريق الذي أصدرنا فيه عدداً من المؤلفات وأقمنا من أجله عشرة مؤتمرات كان آخرها المؤتمر العالمي العاشر الذي عقدته الهيئة في مدينة إستنبول في شهر ربيع الثاني الماضي وكثيراً من الندوات والحوارات.
أما الفريق الثاني فهو لم يطلع على العلوم العصرية فتتساوى عنده الفرضيات والنظريات العلمية والحقائق العلمية وبين كل منها فرق شاسع، كما أنه لم يطلع على الكتابات المؤصلة تأصيلاً علمياً في مجال الإعجاز، وهذا الفريق ندعوه إلى مزيد من الاطلاع على العلوم العصرية ومخالطة أهلها، كما ندعوه إلى مزيد من الاطلاع على الكتب المنضبطة بالضوابط المنهجية والعلمية في هذا المجال.
وأبشركم بأننا نفتح قلوبنا لجميع إخوتنا إذ إننا نعلم يقينا حرصهم ودوافعهم الطيبة، وقد جالسنا كثيراً وحاورنا بعضا منهم ودعونا كثيرا منهم إلى مؤتمراتنا وحواراتنا ولقاءاتنا فوجدنا منهم كل عون ونصر ومؤازة.
لا يخفى عليكم حال الأمة العربية والإسلامية المتأخرة علمياً وتقنياً عن الغرب والشرق ولذلك أسبابه المعروفة التي كتب فيها كبار المفكرين والمصلحين ولا زالوا يكتبون.. هل ترى دوراً لأبحاث الإعجاز العلمي في النهضة العلمية المرتقبة؟
- إن أمة أول ما أوحى إليها ربها «اقرأ بسم ربك الذين خلق. خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم. الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم» يكون هذا حالها، جدير بها أن تراجع دينها وأن تراجع أصلها وتاريخها. والآيات الكريمات السابقات التي نجد فيها: دعوة إلى القراءة، وتأكيداً لمسألة علمية لم تعرف إلا حديثاً وهي قوله تعالى: «خلق الإنسان من علق»، وذكراً للقلم الذي هو أداة العلم، ورداً لأصل علوم الإنسان كلها إلى مصدرها وهو الخالق سبحانه.
لقد وجدنا أثناء بحثنا في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفق منهجنا التأصيلي للبحث في الإعجاز العلمي ما لا يقل عن ألفي آية وهي ما يمثل ثلاث آيات القرآن الكريم، ومثلها ألفا حديث تقريباً فيها إشارات علمية، فعلام يدل ذلك؟
ألا يدل على دعوة صريحة لأن يكون كتاب الله تعالى دليلاً ربانياً للباحثين في التخصصات العلمية، إننا نجد في الكتاب والسنة إشارات إلى العلوم الطبية وعلوم الحياة وإلى علوم الأرض والبحار وعلوم الفلك والفضاء وإلى العلوم الإنسانية أيضاً. إن القرآن الكريم ليس كتاباً متخصصاً في أي من العلوم وإنما هو كتاب هداية يهدي الناس جمعياً ومنهم المتخصصون في تلك العلوم.
إن العالم المسلم لا يجد تناقضاً البتة بين ما ورد في كتاب الله وما صح من الأحاديث الشريفة وبين الحقائق العلمية التي يجدها في تخصصه بل يجد أنوار الوحي في ثنايا تلك النصوص تثبت له ربانيتها وتفتح له آفاق البحث باعتبارها دليلاً من الخالق إلى المخلوق الباحث فيما خلق الله في هذا الكون.
ولن يجد العالم المسلم تناقضاً بين دينه الذي يدعوه إلى التفكر في مخلوقات الله وبين تخصصه العلمي بل سيجد فوق ذلك كله أنه مدعو إلى البحث مأجور عليه أجراً كبيراً وأن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم وأن الحيتان في البحر تستغفر له.
هذا ما نأمله من أبحاث الإعجاز العلمي في القرآن والسنة أن تكسر هذا الجاحز المصطنع لتدخل نصوص الكتاب والسنة على العالم المتخصص في معمله لا من أجل التبرك والأجر من تلاوته فحسب، بل من أجل الاستفادة مما ورد فيها من إشارات علمية صادقة في أبحاثه المعملية، ونحن بفضل الله سائرون على هذا الطريق، والحمد لله. قل لي بربك: لو تربى علماء الأمة المتخصصون على هذا المنهج كيف سيكون حال الأمة؟ أترك الجواب لك ولأعزائي القراء.
أين أبحاث الإعجاز العلمي في القرآن والسنة من مناهج التعليم في العالم العربي والإسلامي سواء مناهج التعليم في المراحل الأولية أو في المرحلة الجامعية ومرحلة الدراسات العليا؟
- يدرس أبناؤنا الطلاب مواد علمية مثل: (الأحياء، الجيولوجيا، الكيمياء، الفيزياء، الرياضيات) وكل هذه المواد فيها من موضوعات الإعجاز العلمي في القرآن والسنة الثابتة الشيء الكثير وقد بادرت وزارة التربية والتعليم في السعودية مشكورة في توجيه الطلاب في أحد كتبها في المرحلة الثانوية إلى الاطلاع على موقع الهيئة على الإنترنت (www.nooran.or) للتعرف على موضوعات الإعجاز العلمي المتعلقة بالمنهج نفسه، ومن على هذا المنبر الإعلامي أوجه لهم الشكر والتقدير والدعاء لهم بمزيد من السداد آملاً أن يحوي التعديل الجديد للمناهج عدداً من أبحاث الإعجاز العلمي في ثنايا موضوعات كتب الطلاب والطالبات، كما أدعو بقية وزارات التربية والتعليم في العالم الإسلامي إلى أن يسيروا على هذا النهج.
أما بالنسبة للمرحلة الجامعية فإن الهيئة قد أعدت بفضل الله كتاباً منهجياً يمكن أن يدرس في الجامعات، وسيكون في مراحله الأولى أحد المقررات في الجامعات الإسلامية التي تشرف عليها رابطة الجامعات الإسلامية وأوجّه الدعوة نفسها إلى وزارات التعليم العالي لاعتماده سائلاً الله للجميع التوفيق.
الإعجاز العلمي أصبح من أبرز الوسائل في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى كيف ترون ذلك؟
- لقد أكرمني الله تعالى بالسير في ركاب الدعوة إليه ما يقرب من 40 عاماً فلم أجد وسيلة أكثر تأثيراً وأقوى حجة لدعوة غير المسلمين من علماء الشرق والغرب مثل قضايا الإعجاز العلمي فحريّ بالدعاة إلى الله أن ينتبهوا لهذا الأسلوب الدعوي المؤثر ويهتموا به، خصوصاً ممن أكرمه الله بالمقدرة على التخاطب بلغات أولئك الأقوام.
فضيلة الشيخ هل من إضافة تودون أن نختم بها هذا الحديث الشيق؟
- أما ما أود أن أختم به فإنني أقول لقد حان الوقت لنقضي على حالة هذا الفصام النكِد بين العلم والدين، هذا الفصام الذي كان نتاجاً للتعنّت الكنسي والتعسّف الكهنوتي، ولكن للأسف دفعت البشرية جمعاء ثمنه، فمن يرفع لواء العلم غير المسلمين، وهم الذين كان دينهم دعوة للتفكر والتدبر، وثورة على الجهل والتحجر، وفي الوقت الذي كان فيه الأوروبيون يعدمون حرقاً من يقول بكروية الأرض أو يخترع آلة جديدة، كان المسلمون يقدمون للعالم الساعة والإسطرلاب وعلم الجبر والصفر وخريطة العالم والدورة الدموية وغيرها من الإنجازات في جميع المجالات، والآن وقد أقر العالم المعاصر بالعلم فأسلم له قيادة الحياة، فعلينا ألا نتخلف عن هذا الركب، بل علينا أن نستشهد بهذا الشاهد العدل على صدق دعوتنا وعظمة ديننا فالعلم هو البرهان الساطع والحجة البالغة، ومن خلال أبحاث الإعجاز العلمي نستطيع أن نثبت للعالمين سبق كتابنا العظيم وسنة نبينا الكريم، في الحديث والدلالة على ما اكتشفوه هم من حقائق علمية بعد مئات السنين وآلاف التجارب، فإن لم نفعل ذلك فنحن مقصرون في حق ديننا، وعاجزون عن أداء مهمتنا وإبلاغ رسالتنا، وهذه ليست مهمة الهيئة وحدها بل رسالة الأمة بأسرها، وما نحن إلا جهة تنسيق تسعى لتيسير الجهود على الباحثين، والجمع بين المهتمين فمرحباً بالجميع والله سبحانه وتعالى ولي التوفيق.