بعد ظهور النتائج الدراسية لجميع المراحل التعليمية بدأت تغزو مجتمعنا ظاهرة جديدة قديمة تحت مسمى (حفلات التخرج) يشترك في إحيائها خريجو المرحلة الثانوية مع التمهيدي والروضة سواء بسواء!!
وحفلات النجاح، وإن كانت معروفة منذ عُرف التعليم إلا أن الجديد هو ما يرافق تلك الحفلات من بهرجة، بحيث تحولت من مناسبة مفرحة بظهور النتائج والنجاح بعد عام دراسي حافل بالتعب والجهد تجتمع حولها الأسرة على كعكة وعصائر أو مشروبات غازية إلى حالة من الاستنفار والتجهيزات أشبه بحفلات الزفاف!
فمن استئجار قاعة مناسبات كبيرة تتسع لأكثر من مائتي شخص؛ إلى استقبال سيل من الهدايا الثمينة، مروراً بوجبات غذائية متنوعة ومكلفة، وما يتخلل ذلك من استعداد في الملبس وتصفيف الشعر، وسهر إلى قرب طلوع الفجر! فماذا بقي لحفلات الزواج إذا كان هذا النوع من الحفلات تفوق تكلفته عشرة آلاف ريـال؟!
ولأن معظمنا لا يملك الشجاعة الكافية لرفض هذا السلوك الاستهلاكي الخاطئ فنحن نمارسه، سواء رضينا أو غضبنا أو تبرمنا، إلا أننا نتجنب سماع عبارات التهكم والسخرية التي توجه لمن يرفضه أو يتحفظ عليه بأنه بخيل أو متخلف عن ركب الحضارة، وإطلاق صفة من يمانع بأنه من فئة أولئك الذين انقرضوا مع الديناصورات!!
ولك أن تتخيل ورطة من عنده عدة أبناء، وبنات على وجه التحديد! ووضعه الاقتصادي لا يخوله بمد رجليه أكثر من مقدار طول لحافه، هل يساير الركب ويتحول لإمعة؟ أم يرفض ويكسر خواطر بناته ويحرجهن أمام صديقاتهن وتساؤلاتهن الفضولية وهمزهن ولمزهن ؟!!
وفي هذه الحالة قد يكون الحوار مع الأبناء مجديا والنقاش نافعا حين تكون التربية صحيحة والقناعة بشخصية الوالدين متأصلة.. بحيث يتم الحديث معهم عن مغبة الإسراف ونتائجه على الفرد والمجتمع وعلى الاقتصاد القومي بشكل عام، ولا يستخفنَّ أحدكم بفكر أبنائه ومدى فهمهم واستيعابهم لهذه الأمور، لأن مجرد إشعارهم بقوة تأثير تصرفاتهم الإيجابية والسلبية على الأمة كافيا ليشعروا بأن لهم ثقلا ووزنا وقيمة. ولا يكتفِ المربي بهذا، بل عليه أن يحفزهم بدعوة أصدقائهم لوقف هذه التصرفات، وصرف تلك المبالغ على أشياء مفيدة كمشاريع قصيرة المدى، أو ادخارها لشراء أجهزة مهمة، أو بذلها في أوجه الخير كشراء هدايا نجاح لأبناء الفقراء، على أن يعقدوا اتفاقية فيما بينهم بأن ترفع الكُلفة بين الأصدقاء بالتقليل من منح الهدايا بمناسبة ودونها وإقامة الحفلات المتكررة والباذخة، ويعمدوا لاتخاذ البساطة في لقاءاتهم حتى يكون الاجتماع حميميا بسيطا ومفرحا بدون انشغال بالضيافة.
إن التسامح مع هذه الحفلات بالشكل الواقع اليوم قد يجرنا لمنزلق خطير من الإسراف والهدر لاسيما مع جيل يكتنف مستقبله الاقتصادي الغموض في ظل بطالة حالية، ولا مبالاة شخصية وعدم تحمل للمسؤولية وبدون تفكير وحكمة في الصرف، وطلبات منفذة دون مناقشة من لدن أسرة أصبح التدليل من أولوياتها!!
rogaia143@hotmail.comwww.rogaia.net